أعلم جيداً أن هناك بنكا للمعلومات الوطنية قائم ولديه مهام محددة، وهناك أيضا دائرة احصاءات عامة تقوم بمسوحات اقتصادية واجتماعية متنوعة، وتقدم معلومات في غاية الأهمية، لكنها معلومات لا تكفي لتعزيز محركات دعم النمو الاقتصادي من خلال البحث عن مواطن الضعف والقوة في الاقتصاد الوطني.
لا أحد يستطيع ان يحرز اي تقدم حقيقي في النهوض بالقطاعات الاقتصادية المختلفة وفق رؤية التحديث الاقتصادي بقاعدة البيانات الراهنة، والتي هي في اعتقادي لا تتناسب مع حقيقة حجم القطاعات والمعلومات الحقيقية المطلوب معرفتها عن كل قطاع، حتى يتمكن صانع القرار من إدارة الموارد البشرية والمالية بالشكل الصحيح.
فلا أحد في الأردن لغاية يومنا هذا يستطيع ان يحصي بالشكل الدقيق او حتى يعطي وصفا صحيحا لعمال المياومة، وكم عدد الفاعلين منهم في سوق العمل، فهناك غياب واضح في المعرفة الحقيقية لهيكل هذا القطاع الذي تتحدث بعض الأوساط المتخصصة بشكل غير رسمي من ان حجمه يناهز الـ450 ألف شخص موزعين على قطاعات مهنية وحرفية عديدة.
ومن يستطيع أيضاً ان يقول لصانع القرار وراسمه ما هو الحجم الحقيقي لما يسمى باقتصاد الظل، والذي يمارس أعمالًا وانشطة اقتصادية تصل نسبتها لـ(30 – 40 %) من الناتج المحلي الإجمالي حسب آراء بعض المختصين والمراقبين.
حتى قطاع تكنولوجيا المعلومات هو الآخر يعاني من ضعف حقيقي بإعداد بيانات دقيقة عن القطاع من حيث نوعية العاملين فيه ومدى تفرغهم الداخلي والخارجي للعمل، وشكل الاستثمارات وتنوعها بين هيكل القطاع ذاته.
الأمر لا يقتصر في نقص المعلومات عن القطاعات الاقتصادية، فحتى أعداد العمالة الوافدة لا أحد يعطي رقماً واضحا حول أعدادها التي تصل إلى ما يقارب المليون عامل وافد، باستثناء العمالة الحاصلة على تصاريح العمل، ولا احد ايضا يعطي بيانات دقيقة عن توزيعات العمالة في القطاعات نتيجة تنقلها السريع من قطاع لآخر.
حتى قضايا الدعم المالي وفئات الدخل للمواطنين ما يزال الامر مجهولا، وهذا ما يفسر ان الدعم المالي في الأردن لا يصل لمستحقيه الحقيقيين، وهو يشكل أبرز حالات الهدر المالي في الخزينة، فالدعم شامل لجميع المواطنين الاغنياء والفقراء على حد سواء، مع فارق ان الاغنياء يستحوذون على غالبية قيمة الدعم بسبب استهلاكهم وقدرتهم الشرائية العالية، وهذا امر مخالف لأبسط قواعد الدعم والعدالة الاجتماعية في إيصال الدعم لمستحقيه.
غريب ألا يكون لدينا بيانات دقيقة بشكل مفصل عن كل مواطن او مقيم على أراضي المملكة، فالأمر متبع في غالبية دول العالم، ولا يجوز في هذه الدول لأي شخص ان يعمل او يحصل على اي برامج الدعم او التشغيل او اي نوع من البرامج دون ان تكون هناك قاعدة بيانات دقيقة وتفصيلية كاملة عنه، حتى الذين لا يعملون بالمكاتب ويحاولون في بيوتهم، كلهم تحت مظلة رقابة وأعين الأجهزة الرسمية التي تمتلك كل المعلومات الحياتية اليومية عنهم.
للأسف، ما تزال اجهزتنا الرسمية الحكومية غير قادرة عن تعزيز قاعدة بياناتها عن المواطنين والقطاعات الاقتصادية المختلفة بالشكل الذي يمكن راسم القرار من توجيه القرارات والسياسات لدعمهم وفق الشكل المطلوب، وكل ما هو متوفر لدينا مسوحات قياسية واحصائية تفيد بالشكل العام لا أكثر دون الدخول لبيانات دقيقة عن القطاع والعاملين فيه.
الحاجة ملحة لأن تبادر الحكومة بتطوير نظامها الاحصائي الوطني وتعزيز عمله وتوسيع قاعدة أنشطته لتكون بمثابة بنك وطني للمعلومات وقاعدة بيانات تفصيلية تمكن صانع القرار من توحيد إدارة الموارد في الدولة لوجهتها الصحيحة، وتصويب عملية اتخاذ القرارات الرسمية بالشكل المطلوب الذي يعزز عملية التنمية المستدامة.