سمعنا تصريحات ذات دلالات بالغة الخطورة من قبل وزير الصناعة والتجارة عامر الحديدي حول المخاطر التي تتهدد الاقتصاد الوطني مع تفاقم نسب مديونيته، وظللنا نسمع على مدى سنوات طوال تلك المؤشرات الاقتصادية التي ما برحت تبعث برسائل غير مطمئنة حيال توجهات اقتصادنا المتراجع والمعتمد في جزء مهم من معادلته على المساعدات الخارجية.
كما ظل هاجس الحصول على تمويلات خارجية - في ظل قصور النظام البنكي في لعب دور تنموي حقيقي يُمكّن من توظيف سيولته المتكدسة- أمراُ واقعاً ومكلفاً، إذ لا نملك تصنيفات ائتمانية وسيادية مرتفعة تضمن للمقرض الأجنبي معرفة مدى قدرتنا على السداد ضمن الآجال المحددة، كما لا يمكن قياس الضرر الناتج عن ضعف تلك المؤشرات المتصلة بالنمو والبطالة والعجز التجاري وما تلقي به من ظلال على تكلفة تأمين تلك المديونيات.
لم يعد بإمكاننا الوقوف مكتوفي الأيدي وقد بدأت ترتسم حولنا مزيداً من المخاطر، فلا يمكن لنا ضمان استمرار المعونات الاقتصادية التي يسيطر عليها جوانب غير مالية بحتة ، كما لا يمكن لنا انتظار دور البنوك المحلية في لعب دور تنموي فيما ظلت تتشدق باحتياطياتها وودائعها ونمو بقية بنود ميزانياتها خلال عامة الأزمة، من دون أن تسهم بما يذكّر بوقوفها مع الوطن في محنته التي باتت أكثر حرجاً من أي وقت مضى.
فكيف لنا التخلص من شراك مصاعب التمويل التي قد تكلفنا التأخر عن اللحاق بركب أي تحسن اقتصادي عالمي بدا يلوح في الأفق أكثر من أي وقت مضى، وكيف لنا أن نشرك مؤسساتنا وتحديداً المصرفية منها في عملية تنموية حقيقية تنخرط فيها بروح نفعية وأخرى تبحث عن تمتين قطاعات ستكون ذات البنوك المستفيد الأول من عودتها إلى جادة النمو حال أحسنت خياراتها.
يترافق ذلك مع تأكيدات جلالة سيد البلاد على أهمية المراهنة على أنفسنا وقدراتنا، إذ نعلم بأن مشاريع مستقبلية في مجالات اليورانيوم والطاقة الكهربائية والنووية قد تُسهم مستقبلاً في فك عقدة اقتصاد كان يعيش مراحل خطرة حتى في عهد الرخاء العالمي، بيد أن ذلك يتوجب منا قبل هذا وذاك البحث عن ملاذات ابتكارية قائمة لكنها بحاجة للتوظيف الأمثل في الأمد القصير.
وفي هذا الصدد، فسحت تصريحات وزير الدولة لشؤون الاعلام والاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور نبيل الشريف والمتعلقة بإمكانية بيع أصول حكومية لضبط الإنفاق وتوفير الأموال، فسحت الباب واسعاً أمام إحياء فكرة قيام مغتربين أردنيين بشراء تلك الأصول للحيلولة دون تسربها لآخرين أجانب، بما يحقق الفائدة المتوخاة في إبقاء تلك الأصول ذات طابع وطني بحت.
وفي هذا السياق، يجب الالتفات لمواطنينا في الخارج، لا من خلال البحث عن آلية تفرض عليهم ضرائب واقتطاعات جديدة بغية تعزيز المداخيل الحكومية، إذ أن هذه الآلية البالية لم تعد تجدي نفعاً فيما تحث دول العالم خطاها لبناء بوتقة من شأنها تمكين مواطنيها في الخارج من تحقيق المساهمة الحقيقية في اقتصاد بلادهم بالتوازي مع حرض تلك الحكومات على تحقيق مصالح هؤلاء الأفراد.
أقول ، يمكن لهؤلاء المغتربين أن يكونوا وسيلة تمويلية لمشاريع حكومية وأخرى في القطاع الخاص، من خلال توظيف قدراتهم المالية وتوجيهها نحو تلك المشروعات الوطنية والقطاعات التي تشتمل على رؤى مستقبلية ذات تدفقات نقدية واضحة، على أن يقابل تلك المساهمة سندات حكومية أو حصة في ملكية لتلك المشروعات ضمن تكاليف أو عائدات تقل عن السعر السائد في الأسواق المحلية والعالمية، مقابل منحهم بعض الميزات الصحية والتأمينية والتعليمية وكأنهم مقيمون على ثرى بلدهم.
كثير من التصورات قد تسهم في إحداث القيمة المضافة للاقتصاد الوطني عبر أشخاص يمتلكون ناصية القدرة على إجراء تحويلات تزيد على 3.6 مليار دولار سنوياً ، تذهب في غالبيتها لأوجه الإنفاق الاستهلاكي مباشرة من دون المرور بقناة استثمارية تضمن إجراء التدوير الصحيح لتلك الأموال.
نعيد التأكيد على أهمية استحداث وزارة للمغتربين الذين لم تحسن سفاراتنا في الخارج إجراء التواصل الصحيح والمفيد مع غالبيتهم ، ولا تأتي مناشدتنا لاستحداث تلك الوزارة من باب إجراء إحصاء أبنائنا في الخارج أو إشراكهم في الانتخابات أو غير ذلك من المسائل التي يتوجب القفز عنها نحو التركيز على كيفية تمتين مصادرنا الاقتصادية التي تبدو قوية في جانب غير أن الضعف يطغى عليها في جوانب متعددة.
تُعنى هذه الوزارة بخلق برامج استثمارية ذات طابع تنموي حقيقي من شأنه إدماج المغتربين بالبرامج التنموية الوطنية، كما يشتمل مهامها على أدوار متعددة على الأصعدة السياسية والاجتماعية.
أنا وغيري من الأردنيين في الخارج يتمنون المساهمة في تحسين وتعزيز مصادر قوى بلدنا العزيز لا من خلال إرسال تحويلات يمكن الاستفادة منها لحساب ميزان المدفوعات فقط ، إذ نؤكد على قدرة تلك الأموال تمويل مشاريع بتكاليف تقل عن الاقتراض المحلي والخارجي حال توافرت البرامج و القناعات الكافية من قبل الحكومات والمغتربين، بما يزيل عن بلادنا كاهل الاقتراض المكلف والذي يضغط على بقية مناحي حياتنا الاجتماعية والاقتصادية.
لابد من تلك المؤسسة التي تعد الموجه والمرشد لتلاقي مصالح الوطن مع أبنائه في الخارج، والذين يثقون بنزاهة القطاع العام في إدارة مصالحهم وتوجيهها نحو بر الأمان، كما ينبغي أن تراهن الحكومة على وطنية أبنائها وحثهم على المساعدة في حل معضلة التمويل والمديونية.