الأردن الجديد
د.بسام البطوش
الأردن يضع أقدامه الآن على طريق الاصلاح والتحديث المؤدية إلى دولة الحداثة والديمقراطية والشفافية. قد يقول البعض: إننا لم نلمس شيئا !منكرين أي تقدم على طريق الاصلاح !فصدور قانون الاجتماعات العامة الذي كان غاية المنى منذ وقت قريب ،لا يعد شيئا في نظرهم،والعمل المتواصل في سبيل إنجاز قانون البلديات،تحضيرا لانتخاباتها، والشروع في تأسيس نقابة المعلمين تعد أشياء لا تستحق الذكر ! وإنجاز عملية هيكلة الرواتب وإعادة هيكلة الإدارة الأردنية بما يحقق العدالة والمساواة ويلغي التشوهات الطبقية الإدارية لا يعد في نظرهم منجزا يستحق التوقف عنده !أما الشروع في عملية الحوار الوطني التي قاطعها المتباكون على الاصلاح بالرغم من أنها تحظى بضمانات ملكية لتنفيذ توصياتها ،فلا يعد حدثا مهما ،بالرغم من كون لجنة الحوار الوطني تمكنت وفي الوقت المحدد من إنجاز المطلوب منها والمتمثل في تحقيق توافق وطني على مشروعي قانوني الإنتخابات النيابية والأحزاب السياسية ،وأصبح المشروعان الآن في ديوان التشريع تهيئة لوضعهما في عهدة مجلس النواب والسير في الاجراءات الدستورية لاقرارهما بعد إنجاز لجنة مراجعة الدستور مع نهاية تموز الحالي لمقترحاتها حول التعديلات الدستورية المطلوبة ! كل هذه الخطوات الإصلاحية لا تعجب البعض !ويتذرعون بتباطوء الحكومة ،التي تمكنت من إنجاز هذه الخطوات الهامة في غضون خمسة أشهر فقط ،وفي ظل ظروف إقليمية ومحلية مشحونة! بصراحة لو أن شيئا من هذا تحقق في ظرف آخر لكان يعد منجزا ديمقراطيا هاما وجذريا ،لكن الطموحات كبرت وتضخمت كثيرا .ومحاولات التأسي بالتجارب الثورية العربية أخذت مداها في التحرك والخطاب لدى شرائح تقليدية ومستجدة في المعارضة! صحيح أن من حقنا أن نطمح كأردنيين لمواصلة بناء الدولة الحديثة الديمقراطية كاملة الأوصاف والإضافات ! لكن طموحنا هذا شيء مختلف تماما عن التطلع لإضعاف الدولة والاستقواء عليها! ويتقاطع مع محاولة البعض تجاوز الصيغة الاصلاحية الأردنية التوافقية إلى العيش في أوهام التغيير والانقلاب وفي ظلال روح فتاوى الجهاد والاستشهاد وتطبيقاتها!! المترافقة مع الاصرار المتكرر على التصريح والتأكيد بأن لا خطوط حمراء تقف في وجه الطموحات الثورية!
بالرغم من الاعاقات كلها؛ فإن الأردن الجديد يولد الآن بنجاح ، ومرحلة الخطر تم تجاوزها،في ظل توفر الإرادة السياسية العليا، وفي ظل تحقق التوافق الوطني العام بأن المطلوب هو الاصلاح والتحديث وبناء الأردن الجديد، والاعاقات أمام هذه العملية تأتي من متضرري الاصلاح وضحاياه وهم كثر ،ولعل أطرافا في المعارضة السياسية التقليدية وغير التقليدية وهي تهاجم قوى الشد العكسي عليها أن تتذكر بأنه يمكن تصنيف بعضها في باب المتضررين من الاصلاح !لتبقى شواغرها ومنابرها عامرة! الخلاصة أن الأردن الجديد بدأت تتشكل ملامحه الواعده والمشرقة والملبية للمطالب الاصلاحية على الصعد الدستورية والتشريعية والسياسية والاقتصادية والادارية،والمتأسسة على مباديء العدالة والمساواة وتكافوء الفرص . لكن الأردن الجديد لن يكتمل نموه إلا في ظل بيئة آمنة مستقرة ،ولن تكتمل عملية تشكيله بنجاح في ظل روح الانتهازية وسلوكيات الاستقواء ومشاعر الاحباط ونهج جلد الذات وثقافة التشهير . والأردن الجديد لن يتيسر له العيش ومواصلة الحياة في ظل أي من الصيغ البالية والتقليدية في الادارة والاقتصاد والسياسة والتعليم والثقافة والمعارضة والموالاة ومهادنة الفساد ! والأردن الجديد لا مكان فيه ل "الممارضة" السياسية ،أجل"الممارضة"!فلدينا تاريخ غير مجيد مع مرض مستشر إسمه المعارضة في الأردن ولا أقول الأردنية ! والأردن الجديد مطلوب منه أن ينجب معارضته الوطنية الجادة المنتمية النابعة من التراب الوطني الأردني والهم الوطني الأردني أولا ،وعلى غرار الحركة الوطنية الأردنية التي ولدت مع بدايات التأسيس ونضجت وتبلورت عام 1928 في مواجهة الانتداب والصهيونية وتجار الثورية ومستوردي الشعارات! وعلى قاعدة الالتفاف حول الأردن الوطن والقيادة الهاشمية . الأردن الجديد ليس بوسعه أن يتعايش مع عجزه أو مع التحديات المتصلة بوجوده سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ! ومطلوب منه الانخراط في ورشة للانجاز الوطني بهدف التغلب على معاناته المزمنة مع ملفات هامة وجوهرية أولها القضية الفلسطينة والحلول المتصلة بها والماسة بمصالحنا الوطنية ،وثانيها الابداع في مواجهة ملفات المديونية والطاقة والمياه والتعليم ،وثالثها تحقيق إعادة التموضع الجيو -سياسي للأردن الجديد في إطار البيت الخليجي العربي المصغر ،والعربي -الاسلامي الموسع ،مع الحرص على الانفتاح على الدنيا كلها وعلى قاعدة الثوابت والمصالح الأردنية. والأردن الجديد لا مستقبل له ولن يكون إلا بالملكية الهاشمية ، بعيدا عن الجدل العقيم والتنظير المضحك حول الملكية الدستورية والملكية المطلقة ،فالأردن لايصلح شأنه ولا يستقيم حاضره ولا مستقبله إلا بالملكية الهاشمية وبرسوخ أمنه واستقراره وبتجذير ديمقراطيته،هنا وهنا فقط يتأهل الأردن الجديد لولوج باب المستقبل العربي بثقة وحيوية وثبات ؛فإذا كنا نأسف لأن كثيرا من الأشقاء العرب ذاهبون في ظل الوضع الراهن نحو المستقبل الغامض والمجهول،فإننا نأمل بأن الأردن الجديد ذاهب نحو المستقبل المشرق بعون الله.