ارضنا العربية كانت اولى بقع العالم زراعة للقمح كما يقول التاريخ. وتقول الحكايات انه تم عجن الرغيف الاول بشكله الحالي تقريبا في بلاد ما بين النهرين ثم انتقل بعدها الى باقي الحضارات.
واما عن حضارتنا العربية فهي اكثر من تغنى بالقمح والخبز والطحين ..وان كان «الطليان» قد اختصروا الحكاية بمثلهم الاشهر «أن البيوت التي تفوح منها رائحة الخبز، يفوح منها الحب» الا اننا كنا الاسبق بالاشارة الى ان الاوطان التي تنتظر «شحنات «رغيفها ..ليست بخير، فقال وصفي: «اللي خبزه مش من قمحه عاش مذلول».
وبالحديث عن الاوطان، فالكرامة الباهظة ليست حلما اذا ما وفرنا مساحات لزراعة القمح، الاهم بالطبع وجود الرغبة وتوفير ثقافة الزراعة، ورفع شعار العودة الى الارض، ثم ان المنح وطرود الخير وما يصرف على مؤتمرات وغيرها من اوجه «الصرف» .. يمكن ان تقدم لزراعة القمح وليس لشراء رغيف الخبز.
شاهدت من خلال مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من المبادرات قام بها افراد وليس جهات رسمية منهم المبادر والعامل النشيط في قطاع التطوع والعمل الاجتماعي فادي مقدادي، حيث اعلن عن مبادرة «قمحنا امننا» وتواصل مع مجموعة من النشامى لتجهيز 500 دونم لزراعة القمح خلال الموسم المقبل، حالما وساعيا ومن معه باكتفاء ذاتي بل وبتصدير الفائض ايضا.
واذكر في هذا المقام، ايضا المشروع الأردني الذي اسسه مجموعة من الشباب والشابات، عائلات وأفرادا، يقومون بزراعة القمح محلياً بأيديهم، لكسر «التبعية» في القمح والرغيف كما جاء على لسان اصحاب المشروع الذي بدأ بـ 60 عائلة أردنية استصلحت أراضي وقامت بحراثتها وزراعتها، ولم تكتف بذلك بل ايضا حصدت وطحنت وعجنت وخبزت على وقع الاهازيج الاردنية، رغيفا محليا قوامه الحب والاهم الاستغناء عن نشاز التهديدات الدولية بفرض حصارات، ورفع الضرائب ورايات تلوح بحروب الغذاء وغلاء اسعار وغيرها من «تحميل الجمايل».
«خبز بلادنا» رغيف مشبع بالحب، زرع كنواة اقتصادية مساندة لهذه العائلات وللشباب وبجهود صادقة تؤمن بــ «لا تعطني رغيفا، بل ساعدني ان ازرع قمحا» .
هؤلاء أردنيون وجدوا ضالتهم في «الكوارة» التي بحبهم وانتمائهم ستعود مليئة.
أقف عاجزة عن تقدير هذا الحب الوطني الغيور الذي يصنع رغيفا محليا جميلا من الالف الى الياء، الا انني سأقدر عاليا حكومات تضع في اجندتها في الامس قبل اليوم وغدا المساعدة للمقبلين على زراعة الرغيف والكرامة بمنحهم فرصا حقيقة للاستثمار.
نحتاج اليوم دعما حكوميا عاجلا لمساندة اصحاب الحلم والسعي نحو «رغيف» حر وطني، توفره يعني بالضرورة استثمارا وطنيا بعيد المدى..اقول
اعطوهم قمحا ليأكلوه أرغفة.