مرّت الدولة «الاشتراكية الثورية العربية» بعدة أطوار وتوزعت على عدة أنماط، رغم انها قامت على ثلاث كلمات هي «وحدة حرية اشتراكية» كما في النموذج البعثي السوري والعراقي. وعلى «حرية اشتراكية وحدة» كما في النموذج الناصري.
وعلى الماركسية اللينينية كما في صيغة اليمن الديمقراطي الجنوبي. وعلى سلطة الشعب المرسّمة في الكتاب الأخضر كما في الجماهيرية الشعبية العربية الليبية الاشتراكية العظمى.
قامت تلك الدول على «الشرعية الثورية» بدل الشرعية الدستورية والشرعية القانونية وشرعية صناديق الاقتراع، فتم تعطيل وسائل الرقابة الشعبية وتطويعها: النواب والكُتاب والصحافة والإعلام والنخب.
كانت اخطر جملة وشعار وممارسة، مرّت على الأمة في عصرها الحالي هو تطبيق شعار: «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» الذي قمع التعددية والرأي الآخر واعتبر النقد تثبيطا للروح المعنوية للأمة وتآمرا على نظام الحكم وعمالة للصهيونية والامبريالية.
وقد مورست كل المحرمات تحت هذا الشعار الوحشي ابتداء من المعتقلات إلى حبال المشانق، فارتكبت الانتهاكات والفظائع والجرائم والفساد وتكميم افواه وعزل اصحاب الرأي والعلماء والكُتاب والصحافيين والاحزاب والطلاب والقضاة وأساتذة الجامعات.
وأصبح صلاح نصر في مصر اسماً تقشعر له أبدان أحرار الأمة المصريين.
و علا اسما محمد حسنين هيكل وأحمد سعيد في سماء الإعلام العربي وأصبحا يتلاعبان بالجماهير عبر إذاعة صوت العرب، فهوجمت بلا ضمير، كل الدول العربية الملكية والجمهورية التي لم تصطف في الطابور الناصري.
كان عبد الناصر أيقونة الأمل العربي خاصة أنه كان صادقا مخلصا ولم يكن فاسدا. وكان طبيعيا أن تتكالب عليه قوى الاستعمار والصهيونية وأن تورطه وتوجه إليه ضربة قاصمة بدأت في فصل سوريا عن الوحدة مع مصر وتوريط الجيش المصري في حرب اليمن التي انهكته، وهزيمته المدمرة في عدوان حزيران 1967.
وقد لخّص الكاتب التقدمي أحمد بهاء الدين في مقالته الأشهر «السداح مداح» سياسة الانفتاح الاقتصادي التي خلقت ظاهرة القطط السِّمان، وما كان لها ان تستفحل لولا القبض الكلي على النخبة العربية التي تقود الإعلام والمجالس النيابية والإدارة العليا.
لقد تفوقت سلالة الفاسدين الجدد على اسلافهم الغابرين، وابتلعوا في سنة، ما ابتلعه معلموهم في عقود.
واذا كانت الخلاصة هي أنه لا تحرير ولا حرية للأمة في ظل المستبدين والفاسدين، فهل هؤلاء من صناعة وهندسة القوى الكونية الخفية ؟!