بسم الله الرحمن الرحيم
الكاتب : منتصر بركات الزعبي
أبو رُغال وأحفادُه الجدد عَبر فضائية الجزيرة
Montaser1956@hotmail.com
لقد أصبح الكذب عند كثير من وسائل الإعلام مظهرا جليا من مظاهر قلب الحقائق وتقديمها بصورة مغايرة للواقع، ولعل أول مغالطة أو محاولة لقلب الحقائق قام بها الشيطان عندما رفض الانصياع لأوامر الخالق بالسجود لآدم - عليه السلام - بحجة انه مخلوق من نار، والنار أفضل من الطين، ولا أدري كيف استخلص فكرة أفضلية النار على الطين ؟! وظل قلب الحقائق مستمرا منذ ذلك الزمان إلى الآن , وسيظل حتى قيام الساعة .
وقد تطور هذا الفن في عصرنا الحالي بشكل مذهل , بفضل قناة الجزيرة ومدير مكتبها في عمان المدعو ياسر أبو هلالة لصياغتهم الإخبار بالشقلوب .
شواهدُ كذبِ هؤلاء في تقاريرهم عن المملكة وافتراءاتهم على الوطن والمواطنين تضيق عن الحصر، وامتلأت بها أضابير المهتمين والمتخصصين. المهم أن ندرك أن هؤلاء المراسلين أصبحوا معول هدم للقيم والثوابت... لا أبالغ فعلاً عندما أقول أصبحوا بوقاً ينهق فيه هؤلاء .
إنهم لم يُوجَدُوا حباً لبلادنا أو خدمة لنا ، أو للبحث عن مادة إعلامية موضوعية وصادقة، بل هم يرومون تحقيق غاياتٍ وأهدافٍ محددةٍ , تخدم توجُّهاتٍ شخصيةً، أو مؤسسات فكرية، ، أو لوبيات سياسية ذات أهداف غير نبيلة .
العرب قبل الإسلام , كانت ترى في العمالة خيانة للوطن , وجرما يستحق صاحبه الرجم، وقد جاء في سيرة ابن هشام - رحمه الله - أن أبرهة بنى كنيسة وأراد أن يصرف العرب إليها، ، فعزم أبرهة على هدم الكعبة وسيّر لذلك جيشا وخرج معه بالفيل، حتى وصل الطائف فخرج إليه "مسعود بن متعب " فقال له: أيها الملك، إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون، ونحن نبعث معك من يدُّلك، فبعثوا معه أبا رغال يدلُّه على الطريق إلى مكة، وفي الطريق مات أبو رغال فرجمت العرب قبره. فهو قبره الذي يرجمه الناس بالمغمّس .
فهل يعيد التاريخ نفسه ؟ ! ما أشبه الليلة بالبارحة !
أبو رغال أراد هدم الكعبة و ياسر أبو هلالة أراد حرق عمان إنهما وجهان لعملة واحدة . وصدق الله العظيم إذ يقول : " فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (التوبة 69 (
ولمن يريد أن يستدل عليهم ليقرأ ما كتبه فيهم الشاعر د.عثمان مكانسي في قصيدته "أبورِغــال" حيث يقول :
أَلَسْـتَ تدْري ـ يا أخي ـ أنّ أبا رِغالْ
فيما مضى كان فريـداً
لا يُـرى لهُ مثالْ
لم يرضَ " مُشْـرِكٌ " سواه أن يكونْ
في زمرةِ التَّهـريجِ والْعبيدِ والأنْذالْ
أنَّى التـفَتَّ لليمينِ للشِّـمالْ
وجدْتَ فينا ـ ويْــحهُم ـ ألفَ أبي رِغالْ
يُدْلـونَ بالرَّأيِ الْعـقيمِ ويدَّعُـونْ حُسْـنَ المقالْ
وكلُّهمْ أبو رِغالْ
فإذا كان التاريخ القديم للعرب لم يعرف سوى أبي رغالين اثنين فإنه ليحزننا أن نرى الآن رغالين كثر! قد تناسخا في ألف ألف أبي رغال كلهم تراهم هناك يرقصون رقصة الشيطان فوق جراحاتنا , وهم في حقيقة حالهم قد ارتهنوا لأسيادهم وصاروا أدوات لهم , يصرفونهم في الإساءة لأوطانهم كيفما شاءوا, ومن ورائهم من يعرض ويحرض , وقد تجلَّوا بعار العمالة وتلبسوا بجرم الجناية . بدءا من محاولة الاعتداء على البيت الحرام قبل ظهور الإسلام متناسخا بعد ظهور الإسلام في مُؤَامَرَةُ ابْنِ العَلْقَمِيِّ الذي تآمر على بغداد فأدخل جيش التتر بغداد ووضعوا السيف في أهلها، وقتلوا الخليفة وابنه قتلة شنيعة، وأفسدوا أشدَّ الفساد. ثم دعا هولاكو بابن العلقمي ليكافئه، فحضر بين يديه، فوبخه على خيانَتِه لسيّده الذي وثِق به، ثم قال: "لو أعطيناك كلَّ ما نملك ما نرجو منك خيرًا، فما نرى إلا قتلَك"، فقتِل شرَّ قِتلة، [ وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيّئ إِلاَّ بِأَهْلِهِ [فاطر: 43
العميل يبقى ذليلا قميئا ولو وضعوا على رأسه كل تيجان العالم، ويبقى صغيرا واطيا مهما نفخوا في أوداجه وجعلوه رئيسا أو مديرا أو وزيرا.... ذات يوم أراد أحدهم أن ينافق نابليون، فنقل إليه أسرارا عسكرية حيوية عن استعدادات جيش بلاده، استقبلها نابليون بسرور بالغ، وقد ساهمت هذه الأسرار فيما بعد في تحقيق الانتصار له في الحرب، وبعد الانتصار، استقبل نابليون ذلك الرجل بجفاء، وأخذ كيسا من المال وألقاه إليه دون أن يترجل عن ظهر حصانه، فقال له المنافق: لا حاجة بي إلى المال، وأمنيتي هي أن أصافح الإمبراطور، فقال له نابليون: من يخون وطنه وينافق أعداءه على حساب مواطنيه له المال فقط، أما يد الإمبراطور فإنها لا تصافح إلا الأشراف المخلصين.
والسؤال الأهم هو: ماذا علينا أن نفعل للحد من هذا الكذب المتعمّد والتشويه المقصود لوطننا وحياتنا الاجتماعية الذي دأب هؤلاء المراسلون على ممارسته في وسائل إعلامهم؟
تتبادر إلى الذهن خطوات عجلى ، أهمها :
1- أن لا نبالغ في الاحتفاء بهم ، أو أن نمنحهم أهمية أكبر مما يستحقونها. لأنهم لا يعملون لخدمتنا، بل لتحقيق مصالحهم، وقد لمست شخصياً أنّ هناك من بالغ في الاحتفاء بهم، وأنزلهم منازل لا يستحقونها، وبالغ في خدمتهم، والتودد لهم , وطلب الصفح منهم , وأظهر لهم مشاعر توحي بنعمتهم علينا، وهي رسالة أوحت لهم بـ (الدونية) التي جعلتهم يكتبون عنا من منطلق معادلة (القوي والضعيف)، وما تحمله من انبهار الضعيف بشخصية القوي، وإعجابه به، وخنوعه له!!
هؤلاء الصغار لا يرعوون عن ذلك إلّا إذا وجدوا أوفياء يقفون في طريقهم ، ويحولون بينهم وبين مآربهم الدنيَئة، وممارساتهم السيِّئة، وأهدافهم الخسيسة. ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكنَّ الله ذو فضل على العالمين).
2- - المساءلة القانونية للمراسل إذا نُشر تقريره بطريقة مخالفة للحقيقة . وهذا حق مقدّس عندهم، فلا يجب أن نتردّد في ممارسته كما يفعلون.
4- هناك بعض المراسلين من تكون في جعبتهم حزمة من التهم الجاهزة والأباطيل الكاذبة عن بلدنا ومجتمعنا، فيجب أن لا نقف من ادعاءاتهم موقف المُقرّ بها أو المُبرّر لوجودها، بل يجب اتخاذ موقف المدافع والمفنّد للشبهات والأباطيل .
إن ما يحدث الآن في فضائية الجزيرة والدور الذي يقوم به الآن « ياسر ابو هلالة» هو الدور نفسه الذي كان يقوم به « ابو رغال »، فكم من « ابو رغال » صنعوه ، وكم من "ابن العلقمي " ناصروه ؟!
حقا... ما أشبه الليلة بالبارحة !
وفي الختام لا يفوتني أن أسجل اعتراضي ورفضي المطلق أولا : لتصريحات وزير الداخلية واستخدام مفردة إسقاط النظام حيث انه من المعلوم انه لا احد في الاردن يقكر في ذلك مطلفا وثانيا : للمعاملة الخشنة وغير الحضارية التي تعرض لها الصحفيون والمواطنون , والتبريرات غير المسؤولة والمقبولة من أبواق الحكومة , حتى لا يظن متربص أنني مع القمع وحجر الحريات وتقييد الصحافة والبطش بالكلمة الحرة النزيهة .