زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - جربت الحكومة الأردنية حظوظها مع قانون جديد باسم البيئة الاستثمارية على أمل تحريك الملف الجامد، وهو ملف الاستثمار فيما كان وزير المالية الدكتور محمد العسعس يشير، وبوضوح، الى أن الرؤية الاقتصادية الجديدة التي حظيت بغطاء سياسي وتحقيق معدلات من النمو الاقتصادي رهن بالاستثمار، معتبرا أن التوصية بالعمل على توفير 100 ألف وظيفة سنويا خلال السنوات العشر المقبلة رهن بمساهمات القطاع الخاص ورهن بالقدرة على جذب الاستثمار.
ففي حوار مع إعلاميين ومختصين بضيافة القطب البرلماني خليل عطية شاركت “القدس العربي” في إدارته أوضح العسعس بأن الحديث عن توفير 100 ألف وظيفة على الأقل سنويا هدفه بقاء معدلات البطالة كما هي الآن بمعنى وقف زحف البطالة وتزايد نسبتها. وبما أن القطاع العام أقفل على التوظيف يتبقى القطاع الخاص عبر تعزيز وجذب الاستثمارات.
معادلة الاستثمار في الأردن معقدة وتدخل فيها اعتبارات الإقليمي والسياسي والدولي وأيضا في بعض التفاصيل اعتبارات أمنية أو لها علاقة بالعقيدة البيروقراطية. التجربة بحد ذاتها تبدو معقدة حتى بعد تعيين وزير للاستثمار هو الدكتور خيري عمرو ثم تكليف رئيس الطاقم الاقتصادي الوزير ناصر الشريدة بالبحث في خيار توحيد أنظمة الاستثمار في قانون موحد يعمل على منح المستثمرين في كل القطاعات الأساسية والحيوية تسهيلات خاصة.
بدأت التجربة بشكل دراماتيكي مثير وتبين أن النتيجة الأولية للدراسات تشير الى عشرات القوانين والى مئات اللوائح والأنظمة التي تتداخل فيما بينها لتنتج تعقيدات من كل الأصناف في اتجاه أي عملية استثمارية. عدد اللوائح والتعليمات والأنظمة القانونية المرتبطة بعمليات الاستثمار كان مربكا للغاية، الأمر الذي شكل الهدف الرئيسي للاتجاه نحو قانون موحد باسم البيئة الاستثمارية لاحقا لذلك خرجت النسخة الأولى من قانون البيئة الاستثمارية الجديد لتشكل “صدمة” حقيقية على مستوى الخبراء حيث لا يوجد في كل دول العالم قانون استثمار بأكثر من 380 صفحة، بمعنى أن ديوان التشريع والطاقم التشريعي الذي عمل على النسخة الأولى من قانون الاستثمار الجديد حاول إعادة توصيف وحشر جميع الأنظمة والتعليمات المتداخلة في قانون واحد فجاء عدد الصفحات ضخما جدا لا بل غير قابل للتطبيق.
شاورت الحكومة أبرز خبير للاستثمار في البرلمان، وهو رئيس اللجنة المعنية بالاستثمار الدكتور خير أبو صعليك، وسجلت تحفظات وملاحظات بالجملة على حجم وطبيعة هذا القانون الضخم الذي لا تعرف الأوساط الاقتصادية والبرلمانية حتى الآن كيفية أو آلية تجاوز عدد صفحاته الضخم ومستوى التداخل في بنوده ونصوصه خصوصا وأنه تأسس على مختصر مفيد و”متورم” للوائح الناظمة لعملية يفترض أن لا تكون معقدة أصلا.
بعد المشاورات بدا واضحا أن مزاج اللجنة المختصة في مجلس النواب ليس مع قانون بهذا الحجم الكبير من النصوص. وبالتالي صدر توجيه من رئيس الوزراء للوزير الشريده بالعمل مع فريقه مجددا على اختصار هذه البنود والاتجاه نحو إعداد قانون استثمار عصري يجذب ويسهل الاستثمارات بدلا من البقاء في حالة دوران حول هدف من الصعب تحقيقه.
أعيدت مسالة الدراسة والتقييم وتبين لكل الأطراف المعنية بأن مسالة توفير قانون باسم بيئة الاستثمار موحد تعمل بموجبه وزارة الاستثمار، وهي بالمناسبة وزارة قائمة دون قانون حتى الآن، مسألة ليست من السهولة بمكان. لا بل تحتاج إلى غطاء سياسي كبير للتعاطي معها خصوصا وأن كل المؤسسات الرسمية وتحديدا الرقابية أو المعنية بإصدار التراخيص والمجالس البلدية وغيرها تفضل أن يكون لها دور في حصة الاستثمارات وتراخيصها وكيفية أعمالها الأمر الذي يتعارض مع توجهات وثيقة الرؤية الاقتصادية التي قيل إنها عابرة للحكومات.
من هنا يتخذ الإشكال عدة تعبيرات ولم يعرف بعد ما إذا كان الفريق الحكومي قادرا فعلا على اختصار أوراق قانون بيئة الاستثمار وسط شكوك بأن تتمكن الحكومة من إعداد هذا القانون في وقت قصير يفترض أن سقفه لا يزيد عن ثلاثة أشهر خصوصا وأنه من البنود الأولى في وثيقة الرؤية الاقتصادية المدعومة ملكيا والتي وصفت بأنها عابرة للحكومات.
وإذا تمكن فريق الوزير الشريدة بالتعاون مع اللجنة المختصة في البرلمان من إعداد قانون عصري ورشيق وبنصوص واضحة ومحددة يمكن القول بأن إمكانية عقد دورة استثنائية للبرلمان ولمدة أسبوع واحد، أو حتى لأيام قليلة وجلسات محدودة، تصبح واردة.
لكن الكرة الآن في مرمى الطاقم الوزاري ومسألة الاستثمار وإمكانية اعتماد معايير وطنية عابرة للجميع من أجله مسالة سياسية وبيروقراطية معقدة حيث الانطباع واضح بأن الجميع يحاول التدخل في هذه السياقات الاستثمارية.
لكن ملامح الارتباك الأولى بدأت مع التصور الأولي لقانون بيئة الاستثمار والذي كان عدد صفحاته ضخما جدا بطريقة غير منطقية فيما يبدو أن وزير الاستثمار الجديد حائر وتائه بين التفاصيل حيث لا توجد وزارة حقيقية ولا قانون يؤسس لوزارة والمطلوب منه العمل على تسهيلات لمستثمرين تتدخل فيها جميع المؤسسات.
ولا يبدو أن الوزير خيري عمرو على صلة ببنية فكرة جذب الاستثمارات بالرغم من الفرصة التي أتيحت له وبالرغم من ملاحظات متراكمة على أداء وزارته التي كانت طوال الوقت أقرب الى دائرة حكومية صغيرة.
"القدس العربي"