زاد الاردن الاخباري -
منذ استقلال المغرب عن فرنسا، لجأت البلاد إلى اعتماد برامج مختلفة للنهوض بقطاع التعليم في المملكة، لكن كل ذلك لم ينجح، وفق مختصين، في وقف "إخفاقات" المنظومة التعليمية في البلاد.
ومساء الجمعة، خلص خبراء قطاع التعليم، في ندوة نظمتها "مؤسسة محمد عابد الجابري للفكر والثقافة"، أن الكثير من القلق والشك والخوف من المستقبل يسود في القطاع الذي تخصص الرباط ميزانية مهمة له.
وبالمغرب "أكثر من 15 ألف مؤسسة تعليمية في السلكين الابتدائي والثانوي، تضم 7 ملايين تلميذ وتلميذة في القطاع العمومي، ومليون تلميذ وتلميذة في القطاع الخصوصي، وهو ما يحتاج إلى ميزانية كبيرة تستهلك حوالي ربع ميزانية الدولة، فضلا عما تصرفه الأسر لتعليم أبنائها"، وفق ما نقله موقع هسبريس عن محمد الدريج، عضو المكتب التنفيذي لـ "مؤسسة محمد عابد الجابري للفكر والثقافة".
يرى الكاتب المغربي، عبد العزيز كوكاس، في حديث لموقع "الحرة" أن مشكلة تطوير قطاع التعليم بالمغرب ليس بكلفته العالية، مذكرا أن "كلفة الجهل أعلى".
ويقول كوكاس إن الرفع من مستوى التعليم يعد "مشكلة خيارات"، مشيرا إلى أنه بعد حوالي 74 أو 75 عاما من الاستقلال "ما زلنا في طور التجريب، نجرب خيارات، نجرب مناهج، نجرب برامج ولم نصل إلى خلق تعليم له هوية وتعليم عصري حداثي مرتبط بسوق العمل"، بحسب تعبيره.
التعليم في المغرب.. إلى أين؟
والعام الماضي، أظهرت نتائج دراسة رسمية ضعفا كبيرا في مستوى استيعاب التلاميذ في المغرب دروس اللغات والرياضيات على الخصوص، ما يشكل "تهديدا جديا" لتطور منظومة التعليم في المملكة، وفق خبراء.
وكشفت الدراسة التي أعدّها المجلس الأعلى للتربية والتكوين، وهو مؤسسة رسمية استشارية، أن 9 في المئة فقط من تلامذة المستوى الإعدادي في التعليم العمومي يستوعبون مجمل اللغتين والفرنسية والرياضيات، مقابل مستويات أفضل نسبيا لتلامذة التعليم الخصوصي.
ويرى الإعلامي الباحث، يوسف منصف، في حديثه لـ "الحرة" أن "إشكالية التعليم بالمغرب اليوم، تجد جذورها في التخطيط الاستعماري لقضية التعليم حيث كان متعدد المسالك، مثل مدارس الأوروبيين ومدارس أبناء الأعيان والمدارس التقنية، فيما أبناء الأهالي قد يتجهون نحو التعليم التقليدي أو ما يسمى اليوم بالتعليم الأصيل".
ويضيف منصف "منذ الحماية لعب التعليم دورا مفصليا في التمايز الاجتماعي وإنتاج الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية.. بين مختلف فئات المجتمع المغربي.. إلى أن جاءت الحركة الوطنية ووضعت المسألة التعليمية في قلب نضالها ضد الاستعمار. منتجة مدارس حرة صارت فيما بعد خصوصية بمناهج غربية لسخرية القدر".
وكان البحث الرسمي العام الماضي، خلص إلى أن المدرسة العمومية "أصبحت آلة لإعادة إنتاج التفاوتات داخل المجتمع"، وإلى أن الإصلاحات المتتالية لهذا القطاع "لم يكن لها مفعول إيجابي".
وعلى الرغم من خطط الإصلاح التي تبناها المغرب في العقدين الأخيرين، إلا أن التعليم العمومي لا يزال يعاني من مشاكل الاكتظاظ في قاعات التدريس، والتسرب المدرسي، فضلا عن الأزمات المتكررة بين المدرسين والحكومة التي تسببت بإضرابات عدة خلال السنوات الأخيرة. فيما تلجأ الأسر الميسورة إلى المدارس الخصوصية أو البعثات الأجنبية.
ويقول الباحث منصف يوسف في حديثه لموقع "الحرة" إنه منذ "تسعينيات القرن الماضي، طفت مشاكل المدرسة العمومية أهمها مشكلة الجودة وتجاوز الاكتظاظ، الذي بات عائقا بيداغوجيا (علم التربية)، رغم كل الميزانيات التي التهمها ورش إصلاح قطاع التعليم بكل أسلاكه".
ويقر منصف أن "رهان جودة المدرسة العمومية يتحقق ببطء، رغم ضعف الحكامة الإدارية للقطاع ورغم ما يلتهمه من ميزانيات إصلاح في قلب إصلاح آخر".
واعتمد المغرب خلال السنوات الأخيرة سلسلة إصلاحات في قطاع التعليم، بينها تطوير البنى التحتية للمؤسسات التعليمية، ومراجعة المناهج الدراسية، وتوظيف أعداد أكبر من المدرسين.
وحذرت تقارير رسمية مغربية في السنوات الأخيرة من ارتفاع البطالة وغياب أي آفاق مستقبلية لدى شرائح واسعة من المراهقين والشباب، الفئة الأكثر تضررا من الفوارق الاجتماعية في المملكة.
وبدأ المغرب في 2016 توظيف عشرات الآلاف من المدرسين بعقود مؤقتة. وخاضوا منذ عام 2019 إضرابات طويلة عن العمل وتظاهرات حاشدة، جرى أغلبها بدون حوادث، ليتقرر دمجهم في الأكاديميات الجهوية التابعة لوزارة التعليم بعقود دائمة.
ورأت الدراسة السابقة أن المطلوب "تحول عميق" في القطاع، من دونه "لا يمكن بلوغ أي هدف من الأهداف التنموية للمغرب" بحلول عام 2035، وفقا لإطار نموذج تنموي وضعته المملكة وتسعى من خلاله إلى زيادة معدلات النمو وتقليص الفوارق الاجتماعية الحادة.