سلامة الدرعاوي - نظرة البنك المركزي للاقتصاد تختلف جذريا عن نظرة باقي المؤسسات والهيئات التي تتعامل في المشهد الاقتصادي، فهناك شمولية وواقعية ترتبط ارتباطاً كلياً بهدف رئيسي وهو الاستقرار الكلي.
هذا يعني انه قد يكون هناك بعض السياسات والإجراءات التي يتخذها المركزي قد تتعارض مع مصالح البعض علي المدى القصير، لكنها حتما على المديين المتوسط والبعيد تصب في صالح الجميع.
قرار المركزي الخاص بالفائدة هو قرار اقتصادي، يتخذ باستقلالية تامة بعيدة كل البعد عن أي مؤثرات، فهو يقوم بإدارة سياسة أسعار الفائدة على أدوات السياسة النقدية وفقاً لتطورات النشاط الاقتصادي المحلي وتطورات أسعار الفائدة في أسواق النقد العالمية وبشكل يوازن بين المزايا التي توفرها أسعار الفائدة المتدنية لتشجيع النشاط الاقتصادي من جهة، والضغوط التضخمية المرافقة لمثل هذه الأسعار، والتي تهدد الاستقرار النقدي، من جهة أخرى، لذلك فإن سيناريوهات عدم مواءمة المركزي لقرار الفائدة على النحو الذي يقوم به سيشكل خطراً حقيقيا على الاستقرار الكلي للاقتصاد الوطني.
البنك المركزي سمح لأسعار الفائدة بالانخفاض خلال السنوات الماضية عندما كانت تطورات أسعار الفائدة في أسواق النقد العالمية والتطورات الاقتصادية المحلية تتطلب ذلك، ولكن عندما بدأت أسعار الفائدة العالمية تتجه نحو الارتفاع، وخاصة أسعار الفائدة على الدولار الأميركي، وفي ذات الوقت ولمواجهة الضغوط التضخمية نتيجة للارتفاع العالمي في أسعار السلع الأساسية، والمعادن، والطاقة (النفط والغاز)، وانعكاس ذلك على التضخم المستورد في المملكة، قام البنك المركزي منذ شهر آذار 2022 برفع أسعار الفائدة على أدوات سياسته النقدية ثلاث مرات بواقع 125 نقطة أساس على كافة أدواته، باستثناء سعر فائدة نافذة الإيداع لليلة واحدة بواقع 150 نقطة أساس.
لا يمكن للأردن أن ينأى بنفسه عن هذه التطورات وأن تتخذ أسعار الفائدة منحى آخر، كوننا جزءا من هذا العالم نتأثر به وستكون لذلك انعكاسات سلبية على الاقتصاد الوطني كخروج الاستثمارات وانخفاض حجم حوالات العاملين إلى الأردن ويزيد من عمليات المضاربة، إذ إن الدول التي ترفع من أسعار الفائدة على عملاتها تصبح جاذبة لرؤوس الأموال العالمية.
المركزي يعمل على زيادة جاذبية الأدوات المحررة بالدينار الأردني من خلال المحافظة على هامش ملائم بينها وبين الأدوات المحررة بالعملات الأجنبية، إذ بلغ الهامش بين سعر الفائدة على نافذة الإيداع للبنك المركزي الأردني وسعر الفائدة الأميركي مستوى منخفضا عند 192 نقطة أساس، وكذلك انخفض الهامش بين سعر الفائدة الرئيسي للبنك المركزي الأردني وأسعار الفائدة الرئيسية للبنوك المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي إلى نحو 150 نقطة أساس.
وفي حال عدم استجابة البنك المركزي لرفع أسعار الفائدة على أدوات سياسته النقدية سيؤدي ذلك إلى تقليل هذه الهوامش، مما سينعكس سلباً على جاذبية الأدوات المحررة بالدينار مقابل الأدوات المحررة بالعملات الأخرى، ونتيجة لذلك، سينخفض حجم الودائع بالدينار، وتزداد الودائع بالعملات الأجنبية، وهذا سيؤدي إلى ارتفاع معدل الدولرة، مما سيولد ضغوطاً على مستويات الاحتياطيات من العملات الأجنبية.
قرار المركزي لرفع الفائدة هو قرار اقتصادي رشيد للحفاظ على معدل فروقات ثابتة بين الدولار والدينار الذي يستوجب العمل على تعزيز جاذبيته للحفاظ على الاستقرار النقدي الذي يعتبر أحد أبرز معالم الاستقرار الاقتصادي والاستثماري في الدولة.