زاد الاردن الاخباري -
عبد الهادي راجي المجالي
..... قالوا لي أن محمد رمضان جاء إلى العقبة , واقام حفلة كبيرة ....وغنى (نمبر ون) , وتهافت الناس عليه , ماذا يمنع لو استضافوني أنا ؟ وارتديت جاكيتا اسفله (ملط) مثل محمد رمضان , وقمت (بالنطنطة) على المسرح ...أنا اصلا لدي صوت يشبه صوت محمد رمضان ...
... القصة ليست في محمد رمضان , في النهاية التفاهات لها سوق , في كل دول العالم للتفاهة رواد وجمهور وعشاق , والمقتدر الذي يمتلك (200) دينار لدفع تذكرة محمد رمضان لا نلومه , فهو يمارس الترف بطريقته ...ولكن القصة تكمن في تهيئة البنية التحتية للتفاهة , أو توفير أرض خصبة لها ..هنا تكمن المشكلة .
في منتصف الستينات اطلق (ماوتسي تونغ ) ما يسمى بالثورة الثقافية , بحيث جمع كل منتج غربي ثقافي وقام بحرقه , وكان أول شيء يجمعه هو اسطوانات الموسيقى الأمريكية , واعتبرها تلويثا للعقل الصيني , وفرضت عقوبات صارمة على كل من يتحدى هذه الثورة تصل حد الاعدام ...يقال أن ما وصلت اليه الصين الان من تطور صناعي وثقافي وعسكري , وما وصلت اليه من كونها قوة عظمى يرجع بالدرجة الأولى إلى مسألة تحصين المجتمع والعقل التي انتهجها ماوتسي تونغ .
نحن لا نطالب بثورة ثقافية , ولكن نطالب الدولة بأن لا توفر البنية التحتية المناسبة للتفاهة , لأن محمد رمضان ليس هاني شاكر , ولا نجاة ولا عبدالحليم حافظ ....لو جاء مثلا هاني شاكر إلى العقبة فلن يعترض أحد عليه لأنه يقدم فنا رصينا محترما يراعي الذائقة ..ولو جاء (محمد منير) أيضا لن تشاهد اعتراضات شعبية , لأن هذا الفنان قام بإحياء تراث النوبة , وهذا ثراء للموسيقى العربية ...
القصة مرتبطة بفهمنا لمعنى الذائقة وفهمنا لمعنى التفاهة , هي تشبه إلى حد ما ..الفارق بين (الهمبرغر) ..وبين مقلوبة أمي - رحمها الله - ..(الهمبرغر) وجبة عبثت بها ألف يد , وصنعها عامل وافد جاء للتو إلى البلد , ولا تعرف كيف فرموا اللحم ولا حجم البهارات فيها , ولا نسبة الكوليسترول ..قد يغريك المذاق , ولكنك تجهل حجم الضرر, وفي النهاية قد لاتشبع ..بالمقابل (مقلوبة أمي) كان يكفي أنها وضعت أنفاسها فيها ..وحين قامت (برش) الملح ذكرت اسم الله عليها ...
لا تلوموا من ذهب لحضور محمد رمضان , فهو بحسب تفكيره يعتبره نجما وقدوة ..لكن لوموا بالدرجة الأولى المؤسسة الرسمية التي اعطت التصريح , فهي دون ان تدري هيأت للتفاهة أرضا خصبة ...ولم تعر الانتباه لكوننا المجتمع الأكثر حاجة , لتحصين العقل وتوجيهه لما هو اهم من حفلة ساهرة ..نحن بحاجة لمواجهة ظرف اقتصادي صعب , لشحذ الهمم ومواجهة خطر يهدد حدودنا الشمالية , نحن بحاجة أيضا لتوحيد الجهود خلف قضيتنا الأولى وهي فلسطين ...كيف ستنجح في مواجهات تحديات خارجية وداخلية خطيرة , وفي ذات الوقت تؤسس منهجا ..لنشر التفاهة وتمييع المجتمعات ...
على كل حال ..جاء محمد رمضان للعقبة , ماذا يعني هذا ؟ ..لاشيء حتما ولكنه يعني أيضا أن المؤسسات للأسف لم تعد تحترم الرأي الاخر ..او العقل الملتزم الرافض للتفاهة .