لو قلت لأولئك المنهمكين بالبحث عن أفكار عبقرية لجمع المال بفرض الضرائب، بان ثمة عشرات الملايين تتدفق إلى حسابات بعضهم، دونما رقيب أو حسيب، فماذا عساهم يقولون؟ وهل حقا لديهم الأدوات المناسبة لمتابعة حجم الدخل المالي الذي يتدفق على «بعضهم».
ولو قلنا لوزارة التربية والتعليم، ولسائر المسؤولين (أقوياء القلوب)، الذين أصدروا أوامر وتعليمات، أفقدتنا كلنا السيطرة على التعليم المدرسي (لا سيما التوجيهي)، لو قلنا لهم ثمة من يحتل تلك المساحة من هرم التعليم، ويستثمر فيه بلا محتوى ولا مضمون يتماشى مع المستوى والمضمون الذي تسعى وزارة التربية والتعليم بتأسيسه لدى الأجيال.. أتراهم يظهرون تلك الشجاعة والجرأة عليهم، كما فعلوا حين بدلوا وعدلوا على مناهج لا معلمين أكفاء لها؟!.
في مقالة سابقة كتبنا عن فقدان السيطرة على التعليم بمستوييه، وفي عدة مقالات نشرناها في هذه الزاوية قبل عام وأقل، تحدثنا فيها عن عدالة من نوع آخر بين طلبتنا، لا سيما طلبة التوجيهي، حين ذكرنا أن التعليم عن بعد منح الطلبة في الأطراف والمناطق النائية الامتيازات ذاتها، التي يتمتع بها الطلبة في عمان وفي المدينتين الكبيرتين اربد والزرقاء، حيث استطاع طلاب الأطراف والمناطق النائية والفقيرة، وفي المناطق الأقل حظا من الاستثمار في التعليم المدرسي.. استطاعوا أن يشتركوا بمنصات التعليم، ويحضروا حصصا عند أفضل المعلمين، وأكثرهم مهارة وخبرة في شرح مناهج في الثانوية، وهم الذين كانوا في زمن غابر، يطبعون دروسهم على هيئة «دوسيات»، ويبيعونها في المكتبات، وبالكاد تصل الى طلاب المناطق النائية، ثم أصبح لدى هؤلاء المعلمين الأكفاء مراكز ثقافية في عمان والزرقاء واربد، وأصبح الطلبة يتلقون منهم تعليما مباشرا في بعض مناهج التوجيهي، على شكل لا يمكن توفيره لطلبة المناطق ال»مسخوطة»، وفي العامين «تبع» كورونا، ظهرت بطاقات اشتراك في تعليم عن بعد للمعلمين المهاريين الأفذاذ، وباع بعضهم عشرات آلاف البطاقات، وثمن البطاقة 50 دينارا، ثم بطاقة أخرى بالثمن نفسه للمادة نفسها مع نهاية الفصل، وهي بطاقة «المكثف»، ولأعداد تفوق أعداد الطلبة الذين كانوا قد (اشتروا) بطاقة الحصص العادية.. فقلنا آنذاك تم تعميم الفرص على الجميع، وحاز طلبة من القرى والمناطق النائية على أعلى المعدلات في شهادة الثانوية العامة وفي كل تخصصاتها وفروعها.
ما الذي يجري اليوم؟!.
دخل على الخط الرابح أقوام، منهم من لا يحمل ثانوية عامة، ويصور نفسه يشرح مادة من مواد التوجيهي، ويقدم عروضا على الفيسبوك وغيره من التطبيقات الاجتماعية، ويبيع، ومن بينهم حراس مدارس، فعلوها بنفس الكيفية، وآخرون، فعلوها، وباعوا بطاقات وقدموا مساقات لمختلف الصفوف المدرسية، وبعضهم يخفف عن الطلبة المتابعين، فيجري مهارات في السحر، ويطلب من الطلبة المشتركين الغناء (قوت تالينت).. الى آخر الصرعات وال»سمردحية» وال»إدحية»..
هل يعلم سائر فقهاء فرض الضرائب بأن طالب الثانوية، يدفع حوالي 700 دينار لمثل هذا النوع من التعليم «الموازي»، وقد يدفع أكثر من ذلك اذا اشترك مع مركز ثقافي يتقاضى عن المادة الواحدة في الفصل الدراسي أكثر من 100 دينار !!.
هل يعلم مسؤولو وزارة التربية والتعليم بأن بعض مالكي المدارس المعروفة، تحولوا شخصيا لإعطاء دروس عبر المنصات، وأصبحت تدر عليهم دخلا ماليا أكثر من مدارسهم المشهورة؟.
إن كنا قد فقدنا السيطرة على التعليم المدرسي بسبب كورونا وغيرها، فهل يقبل رجال الضريبة بأن يطاردوا بعض المؤسسات على دخولها المالية التي بالكاد تغطي نفقاتها، بينما بعض المتذاكين و»الشجعان»، وفوق اعمالهم التي مسخت التعليم، فهم يتقاضون عشرات بل قل مئات الملايين ولا يدفعون ضرائب ولا مؤسسات عندهم.. كطلبتهم الذين دفعوا وما حازوا علما ولا مستقبلا..؟؟!!.