مهدي مبارك عبد الله - في ظل الظروف المحلية والإقليمية والدولية المتسارعة ومع التطورات الخطيرة التي تزامنت مع تصاعد انتهاكات الاحتلال الصهيوني بحق المقدسات الإسلامية والمسيحية والاعتداء المتواصل على الشعب الفلسطيني في الضفة والقدس أولى القبلتين والأقصى ثاني المسجدين وفي الأراضي المحتلة عام 1948 بعدما أبدوا قدرا كبيرا من الصمود الاسطوري والتضحيات اللامحدودة التي أفشلت أهداف ومخططات الاحتلال الذي يحاول على مدار عقود طويلة من الزمن تكريس الواقع اليهودي التلمودي في الأقصى والقدس وتحويلها الى عاصمة أبدية موحدة للاحتلال الصهيوني
الحوار الوطني المرجو اليوم ينبغي ان يضم كافة القوى الوطنية والاسلامية من اجل تشكيل القيادة الفلسطينية الموحدة التي أصبحت ضرورة ملحة ومطلب عاجل يلتقي الجميع فيه على أرضية تعزيز الوحدة الوطنية والتمسك بالثوابت التاريخية الاصيلة وفي مقدمتها خياري الانتفاضة والمقاومة كحق مشروع في مواجهة الاحتلال كفلته مواثيق وقرارات الشرعية الدولية ولا يمكن بأي حال من الأحوال القبول بوصف ووصم نضال الشعب الفلسطيني بالعنف والارهاب
وفي ذات السياق يتوجب المطالبة الحثيثة بحق العودة المقدس للاجئين الى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا منها حسب قرارات الأمم المتحدة وخاصة قرار 194 بالإضافة الى مواصلة النضال المشروع بكل الوسائل المتاحة حتى دحر الاحتلال وانهاء الاستيطان السرطاني وتحقيق الحرية والاستقلال بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على جميع الاراضي المحتلة وعاصمتها القدس التي لا زالت منذ 74 عام المحور الذي يوحد المقاومة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي بكل جبروته
المطلوب تشكيل قيادة ميدانية موحدة بمشاركة الجميع دون استثناء للنهوض بالمشروع الوطني الفلسطيني تتبنى إدارة المراحل القادمة وتدير حالة الاشتباك والمقاومة في الضفة والقدس لإبقاء ديمومة الصراع والاستنزاف المتواصل للعدو من اجل المحافظة على مكتسبات وتضحيات الشعب الفلسطيني والمشاركة في اتخاذ القرارات المصيرية التي تحافظ على المصلحة الوطنية العليا ضمن استراتيجية نضالية وكفاحية لتحرير الأرض والانسان
تحدد كيفية إدارة مشروع المقاومة ضد الاحتلال والمزاوجة بينها وبين العمل السياسي والدبلوماسي ومتطلبات المجتمع الدولي وبما لا يخل بعدالة القضية وحقوق أبناء فلسطين وصولا الى وانهاء الاحتلال والاستيطان وضمان حق عودة اللاجئين الفلسطينيين دون استمرارية المراهنة على أوهام السلام والتطبيع واستجداء الحقوق في ظل الانحياز الأمريكي الكامل لحكومة الاحتلال الأمر الذي لا يمكن أن يجعلها وسيطا نزيها في ازالة الظلم الذي يحيق بالقضية الفلسطينية
من المهم في هذا الصدد ان نفهم ان الشعب الفلسطيني ما زال في مرحلة تحرر وطني وليس في مرحلة بناء دولة ولا إقامة سلطة بالمعنى المتكامل تحت هيمنة وسطوة الاحتلال حيث تواجهه ألمعادلات على الارض التعقيد والصعوبة التي تفرض تشكيل رؤية شاملة تحمل الطهارة السياسية والثقة بالذات والقدرات
ان الأوان ان نقول كفى للتيه السياسي لأن ( البراغماتية السياسية ) حين تكون على حساب الثوابت والأهداف الوطنية فأنها تعتبر عجزا سياسي متقدم يما مع ملاحظة ان المأزق العام للوضع الفلسطيني يتمثل في أحد تجلياته بأزمة القيادة التي لابد من إعادة بنائها وتشكيلها على أسس سياسية وإدارية جديدة وسليمة بحيث تضم جميع القوى والفصائل واذرع العمل العسكري والشخصيات المستقلة بما فيها تلك المتواجدة في غزة
من جانب اخر فان مرض الرئيس الفلسطيني محمود عباس وامكانية غيابه عن الساحة السياسية الفلسطينية جزئيا او كليا مع ( عدم وجود نائب له ) سيعزز من احتمالات ان تعم الفوضى والنزاع الداخلي على السلطة وهو ما فرض على المتتبعين والمراقبين للشأن الفلسطيني الداخلي بحث السيناريوهات المتوقعة خلال المرحلة المقبلة بما فيها مستقبل السلطة الفلسطينية وحركة فتح في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها السلطة في الوقت الحالي
لقد فرضت حملة التكهنات المختلفة تساؤلات حول من سيخلف الرئيس عباس في وقت تعاني فيه مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية اوضاع تنظيمية وادارية صعبة للغاية بحكم التطورات المتلاحقة والاختلاف الواضح في وجهات النظر بين الفصائل والقوى السياسية حول ما جرى خلال السنوات الماضية وتحديدا بعد توقيع اتفاق اوسلو وغيرها من الاتفاقات المذلة للشعب الفلسطيني وثورته ومقاومته
في الواقع العملي تلتقي وتجمع معظم الآراء والتحليلات للتطورات المتلاحقة والمفاجئة على ان غياب الرئيس عباس عن الساحة السياسية الفلسطينية او عدم قدرته على ممارسة مهامه الرئاسية بشكل جزئي او كلي سيتيح المجال لإسرائيل لاستغلال الموقف وتنفيذ مخططاتها وتسخير حالة الفوضى التي قد تحدث إذا لم يتمكن الفلسطينيون من لملمة الموقف والخروج بقيادة وطنية تمثل كافة الأطياف السياسية في الداخل والخارج ومواجهة العالم بخطاب سياسي واضح تجاه الرغبة في تحقيق السلام في المنطقة ونبذ العنف بكافة اشكاله دون استبعاد خيار المقاومة المشروع بكل ادواته
المرحلة الراهنة تقتضي فلسطينيا ضرورة التكاتف ووضع كل الخلافات والحزازات والصراعات جانبا واعادة تفعيل مؤسسات العمل السياسي الفلسطيني التي تم اضعافها في العقدين الأخيرين سيما وان الاحتلال بكل قوته جاهز للانقضاض على ما تبقى من القضية وتنفيذ مخططاته المعروفة من خلال اقناعه للرأي العام العالمي بانه ( لا وجود لقيادات فلسطينية قادرة على تحقيق السلام مع إسرائيل ) ومن هنا يجب على كافة القوى والفصائل الفلسطينية العودة الى خيار احياء الحوار والاتفاق على موقف موحد من شأنه تحقيق المصلحة العليا للشعب الفلسطيني وتفويت الفرصة على المتربصين بقضيتهم
الرئيس عباس لم يستطيع تحقيق نجاحات ادارية في مفهوم ادارة الدولة بالمعنى العملي حيث تمركزت كل السلطات بيديه وتم افراغ الإدارة والسلطة تدريجيا من مضامينها ومعانيها وأصبح المفهوم العام ( اما محمود عباس او اجهزة امنية ) التي زادت على العشرة الأمر مما سمح لبنيامين نتنياهو ومن بعده نفتالي بينيت باستخدام القوة ضد الشعب الفلسطيني واغراق السلطة في شلل ما زالت اثاره بادية في تزايد حتى الآن
في الحقيقة لا يوجد شخصية واحدة او عدة شخصيات او حتى مؤسسة تستطيع ادارة دفة الحكم منفردة او مجتمعة في فلسطين لأن هذه الشخصيات والمؤسسات غير متجانسة وفيما بينها حزازات شخصية وسياسية ويجب ان نلاحظ ان مسيرة المفاوضات منذ 30 عام لم تنتهي بأي حل سوى زيادة عدد المستوطنين والمستوطنات واغتيال ابنة فلسطين واقتحام جنين واعدام المقاومين وتصاعد الاستيطان بالضفة والعربدة بالأقصى واستمرار حصار غزة واستهداف الفلسطينيين في الداخل واعتقال الآلاف منهم ورفض حق العودة وإقامة الدولة
في تاريخ المقاومة والعرف النضالي والثوري ليس هناك شعب كان محتل واستطاع التحرر دون المقاومة الشاملة وعلى رأسها العسكرية خاصة أننا أمام احتلال إحلالي استيطاني قائم على التهجير ومفهوم يهودية الدولة ولذلك فان مشروع التحرير الفلسطيني يتطلب إعادة رسم وظيفة السلطة الفلسطينية التي لا يمكن أن تبقى على نهجها الحالي في التعاون الأمني مع الاحتلال الذي مهد الطريق أمام بعض الدول العربية للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي بعد سنوات طويلة من توقيع اتفاقية أوسلو مع إسرائيل عام 1993 التي شكلت المدخل الانهزامي للحصاد المر الذي يحول بالمطلق دون إنجاز أي سبيل لمشروع تحرير فلسطين
امام كل هذا لابد للسلطة الفلسطينية في رام الله من الإعلان رسميا وفعليا عن إلغاء أوسلو وسحب الاعتراف بإسرائيل ووقف التنسيق الأمني معها والالتفاف حول برنامج المقاومة الشاملة لمواجهة كيان الاحتلال الذي خشي قبل أيام قليلة من تشييع شهيدة الحقيقة والوطن شيرين أبو عاقلة ورفع علم فلسطين بموازاة نعشها لن يكتب له الاستمرار على أرض فلسطين المغتصبة وهو الى زوال لا محالة
الشعب الفلسطيني يمر في الان بمرحلة جديدة لا يصلح معها إلا القرارات الحاسمة والاستراتيجية المنظمة والمطلوب اليوم ضرورة توحيد وتوظيف كل الطاقات وتوثيق التشبيك الشعبي السياسي وتعميق الشراكة ما بين أبناء الشعب الفلسطيني ونخبه السياسية والأكاديمية والدينية والإعلامية فضلا عن التشاور مع أحرار الأمة العربية والإسلامية على كافة المستويات والتركيز على الأعلام المقاوم كصاروخ وقنبلة في وجه الاحتلال يكشف زيفه واجرامه ووحشيته كما لابد من استمرار الوحدة الوطنية والميدانية وتصعيد عمليات المقاومة ضد الاحتلال ليبقى سيف القدس مُشرعاً لا يعود الى غمده الا بشرف وعزة وكرامة
اخيرا أمام هذه اللحظة التاريخية التي ينتصر فيها الدم المسفوح ظلما على الارهاب وارادة القمع والقهر ندعو الى سرعة تشكيل قيادة ميدانية موحدة تقود المواجهة مع الاحتلال بشكل فاعل ومنظم
mahdimu.barak@gmail.com