حمايةُ البيئة تقتضي أكثرَ من كفالةِ الدولة
د. عبدالناصر هياجنه
أستاذ القانون البيئي المشارك / الجامعة الأردنية
==========
الحكمة تقتضي ألاّ نبدأ من حيث بدأ الآخرون، بل من حيث انتهوا! وبحسب الأخبار فإن اللجنة الملكية الموقرة لمراجعة الدستور أوصت بأن يتم إضافة مادة جديدة للدستور الأردني تنص على أن "تكفل الدولة حماية البيئة".
هذه الإضافة تستحقُ الإشادةَ بطبيعة الحال كخطوةٍ لا بد منها لتخضير الدستور الأردني، ومواكبته لروح العصر والجديد في المنجز الإنساني والقانوني والبيئي. فكفالةُ الدولة لحماية البيئة تعني أن البيئة ستكون اعتباراً هاماً عند وضع وتنفيذ خطط وبرامج التنمية.
لكن النص المقتضب في التعديل المقترح لا يكفي ألبته لضمان حماية البيئة، وقد لا يعكسُ وفق البعض إيماناً حقيقياً بأهمية البيئة وحمايتها ورغبةً في وضع مبادئ ومرتكزات الحماية التي يجب توفيرها للبيئة. وهذا يبدو مستغرباً في ضوء ما شهدته حماية البيئة من تطوراتٍ على كافة مستويات الاهتمام الدولية منها والوطنية. ووجه الغرابة أننا بهذا النص المقتضب نُصرُ على أن نبدأ من حيث بدأ الآخرون لا من حيث انتهوا، وهو ما سيجعل المشوار طويلاً وبلا مبررٍ أمام البيئة الأردنية والمواطن الأردني في التمتع بالحماية التي كرّستها دساتيرٌ وطنية لدولٍ نسبقها كثيراً في مؤشرات التنمية الإنسانية والشاملة.
لقد تقدم العالم كثيراً في مجال حماية البيئة، وإزاء ذلك، ولحساسية الوضع البيئي في الأردن فإننا نرى ضرورة أن يتم تخضيرُ الدستور الأردني بصورةٍ تواكب ما أصبح سائداً في هذا المجال. فلا بد من الإشارة بنصٍ دستوري إلى حقٍ موضوعيّ للإنسان في البيئة النظيفة وواجبٍ على الدولة في حمايتها وتنميتها بشكلٍ مستدام ، كما لا بد من تكريس الحقوق الإجرائية الخاصة بحماية البيئة كحق الحصول على المعلومات البيئية وحق المشاركة في صنع القرار ذات الآثار البيئية والحق في الحصول على العدالة البيئية الإدارية والقضائية. ويقتضي توفير الحماية القانونية للبيئة وضع مبادئ ومرتكزاتٍ للتشريعات البيئية الوطنية يهتدي بها المشرّع الوطني وصنّاع القرار. أما النص على مجرد أن "تكفل الدولة حماية البيئة" فهو نص مُبهمٌ يحتمل كل شيءٍ وأي شيءٍ وهو لا يقررُ حقاً للإنسان ولا التزاماً محدداً على الدولة. وتكفي الإشارةُ في هذا المجال إلى تقدميّة دستور جمهورية كينيا في هذا المجال، إذ يتحدث الدستور هناك بعباراتٍ صريحةٍ محددةٍ لا تحتمل التأويل أو التقدير عن منظومةٍ متكاملة من الحقوق البيئية الموضوعية والإجرائية، ويضع التزاماً قانونياً على الدولة في العمل على تحقيق هدفٍ يتمثلُ في أن تغطي الأشجارُ والغاباتُ 10% على الأقل من المساحة اليابسة لإقليم الدولة". هنالك انتهى الآخرون، فمن أين يجبُ أن نبدأ؟