زاد الاردن الاخباري -
تتكشف يوما بعد يوم العديد من الأدلة التي تؤكد أن مفهوم شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة أو "Open Ran"، لم يصل بعد إلى مرحلة النضج، وأنه لا يزال عاجزا عن تقديم أي إضافة لقطاع الاتصالات.
وأشار تقرير صدر مؤخرا عن المفوضية الأوروبية ووكالة الاتحاد الأوروبي للأمن السيبراني، إلى أن هذه الشبكات المدعومة بمزاعم واهية، تترك مستخدميها عرضة لأعتى الهجمات الإلكترونية.
وتعتبر شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة بمثابة وظيفة منفصلة لشبكة الوصول اللاسلكي تم إنشاؤها باستخدام مواصفات واجهة استخدام مفتوحة بين المكونات.
ويمكن تطبيق شبكة الوصول اللاسلكي المفتوحة في بيئة الأجهزة المحايدة للبائعين والتقنيات المعرفة برمجيا بالاعتماد على الواجهات المفتوحة ومجموعة من المعايير المحددة.
ويتزامن التوجه نحو استخدام هذه الشبكات مع التطور الذي تشهده تقنيات الجيل الخامس من الاتصالات في منطقة الشرق الأوسط.
وكانت شركات الاتصالات الإقليمية سباقة في طرح شبكات الجيل التالي، وبعد أربع سنوات من إطلاقها لأول مرة في المنطقة، أثبتت جهود تسويق وتحسين تغطية شبكات الجيل الخامس أنها محرك رئيسي للنمو الاجتماعي والاقتصادي مع تنامي حالات استخدامها بصورة متسارعة عبر مختلف المجالات.
وتتمثل غاية التحليل الصادر عن المفوضية الأوروبية والاتحاد الأوروبي باستكشاف ما إذا كان دمج المزيد من المكونات من موردين مختلفين يتسبب في جعل الشبكات أكثر قوة أم أضعف.
وكشف التقرير عن زيادة مستويات تعقيد عملية التكوين فضلا عن زيادة المخاطر نظرا لسوء تكوين الشبكات.
وأضاف التقرير أن استخدام عناصر من مجموعة متنوعة من الباعة يشتت مستويات الأمن، مما يجعل مكونات الشبكة أكثر عرضة للهجمات، ويضع أمن الشبكة بالكامل أمام مزيد من المخاطر.
وتعليقا على نتائج التقرير، قالت مارغريت فيستاغر، مفوضة شؤون التنافسية لدى الاتحاد الأوروبي، أنها "تسلط الضوء على مجموعة من التحديات الأمنية المهمة، لا سيما على المدى القصير"، مضيفة أنه "من المهم بالنسبة لجميع المشاركين تكريس الوقت والاهتمام الكافيين للتخفيف من حدة مثل هذه التحديات بحيث يمكن التحقق من الإمكانات المزعومة لشبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة".
بين التأييد والرفض
وذهب مؤيدو شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة إلى تقديم حجج تدعم اعتقادهم بأن فتح سوق الشبكات من هذا النوع يعود بالفائدة على المشغلين، والذين يمكنهم الاختيار من بين مجموعة من الباعة بناء على مقترحات القيمة الخاصة بهم.
وفي هذا الصدد، يحذر التقرير الأوروبي من وجود احتمال حقيقي للتقيد بموردين محددين باعتبار أن مشغلي شبكات الهواتف المحمولة باتوا يعتمدون بصورة متنامية على عدد محدود من مزودي خدمات التخزين والبنية التحتية.
وعلاوة على ذلك، فمن المحتمل أن تشكل مسألة تحديد أعطال الشبكة وإصلاحها مشكلة حقيقية بالنسبة لمزودي الخدمة، كما يمكن في ذات الوقت أن تزيد الوقت اللازم لتحديد المشكلات وإصلاحها في نموذج متعدد الباعة.
وحول هذه النقطة، قال تييري بريتون، عضو المفوضية الأوروبية لشؤون الأسواق المحلية، إن اعتمادنا المتزايد على البنى التحتية الرقمية يتطلب مستوى عالٍ من الحماية الأمنية في شبكات الاتصالات الخاصة بنا.
وأضاف بريتون أن "شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة تطرح تحديات أمنية كبيرة لا يتم التصدي لها ولا يمكن الاستهانة بها. وتحت أي ظرف من الظروف، لا ينبغي أن يؤدي النشر المحتمل لشبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة ضمن شبكات الجيل الخامس الأوروبية إلى ظهور ثغرات ونقاط ضعف جديدة".
ويتمثل الجانب الذي لا يعترف به هؤلاء المؤيدون أن شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة، وبالرغم من الضجة الكبيرة التي تحدثها في الوقت الراهن، لا تعتبر تقنية جديدة، حيث تمت تجربة أشكال مختلفة منها على مدار أكثر من عقد من الزمن، دون تسجيل أي نجاح تجاري يستحق الذكر.
كذلك لم تتم المصادقة على هذا النموذج "المفتوح" بما ينسجم مع معايير الشبكات العالمية مثل مشروع شراكة الجيل الثالث (3GPP) و"الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول (GSMA)".
وتتفاقم هذه التحديات في ضوء حقيقة افتقار المشغلين للتمثيل الكافي في المناقشات المتعلقة بشبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة.
كما أن حقوق اتخاذ القرار الحاسم ضمن تحالف شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة تمنح إلى مجلس إدارة التحالف، والذي يقتصر على مجموعة فرعية من الأعضاء من مشغلي شبكات الهواتف المحمولة حصرا.
وعلاوة على ذلك، فمن المرجح أن تعيق الأحكام الصارمة لاتفاقية ترخيص الاعتماد الصادرة عن تحالف شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة أنشطة تبادل المعارف بين الجهات التي تتبنى هذه التقنية والجهات الأخرى التي لم تقم بذلك، الأمر الذي يزيد من صعوبة إجراء النقاشات خارج تحالف شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة.
الجيل الخامس للإنترنت.. إيجابيات وسلبيات
سلبيات الشبكات
تسهم حالة الإجماع العالمي القائم على المعايير في جعل مجال الاتصالات واحدا من القطاعات الأكثر تنافسية في العالم، وهو ما تهدد شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة بزواله الآن.
ويعزى نشوء هذه الحالة التنافسية إلى حقيقة أن معايير "مشروع شراكة الجيل الثالث" تتسم بالقدر الكافي من الانفتاح، وأيضا إلى تمتع مشغلي خدمات الاتصالات بالقدرة التفاوضية الكافية للتحقق من أي تسعير مفرط لمعدات الشبكة.
وتشير الجوانب السلبية التي حددتها المفوضية الأوروبية ووكالة الاتحاد الأوروبي للأمن السيبراني إلى حقيقة أن الغرض من شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة لم يكن أبدا حل التحديات التقنية أو التجارية باستخدام بنى شبكات الوصول اللاسلكي (Single RAN).
وبدلا من ذلك، يجسّد المخطط تدخلا سياسيا بقيادة أميركية لفرض سطوتها على نظام الاتصالات التجارية العالمي.
وببساطة، فقدت الولايات المتحدة ميزتها التنافسية على صعيد أنشطة البحث والتطوير والتصنيع، في ظل غياب قدرات التصنيع منخفضة التكلفة.
وتحاول الولايات المتحدة استخدام شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة لاستعادة هيمنتها على قطاع الاتصالات المحمولة وخدمات الإنترنت عبر الهاتف المحمول من خلال قدراتها في مجال رقائق وبرمجيات تقنية المعلومات.
لكن في ذات الوقت، تدرك الشركات الأميركية واقع الحال على الأرض وكانت قد رفضت أن تأخذ زمام المبادرة في تسويق شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة.
وفي شهر أكتوبر 2019، طلبت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب من شركتي "سيسكو" و"أوراكل" البدء بتصنيع المعدات الخاصة بشبكات الجيل الخامس.
وتقول كلتا الشركتين إن هذا الأمر يتطلب الكثير من الأموال والوقت، وأنها غير مهتمة بذلك.
وعارضت "فيرايزون" أيضا توجهات الحكومة الأميركية نحو شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة وشددت على أهمية الحياد التقني.
وكانت "أيه تي آند تي" المشغل الرئيسي في تحالف شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة، لكنها لم تقم بإدخال هذه الشبكات حيز الاستخدام التجاري.
وعبّر الرئيس التنفيذي للتقنية في شركة "تي موبايل" عن معارضته العلنية لهذا الأمر، في حين أقرّ رئيس مجلس إدارة "ديش نيتوورك" بشكل علني أنه قلل من تقدير مدى تعقيد عملية تكامل نظام شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة.
وفي سياق متصل، أثار نيفيل راي، رئيس قسم التقنية لدى شركة "تي موبايل" في الولايات المتحدة، العديد من الشكوك حول مدى نضج أنظمة شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة وقدرتها على تحقيق وفورات التكاليف المزعومة، مشيرا إلى أن "الأسئلة الرئيسية المتعلقة بتكامل النظم والبحث والتطوير لا تزال دون إجابة حتى اللحظة".
وبالرغم من قيام عدد قليل من مشغلي خدمات الاتصالات في الولايات المتحدة بطرح شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة، إلا أنهم باتوا يدركون الآن ما اقترفوه من خطأ فادح، إذ تعمل شركة "سيلكوم"، التي أنشأت واحدة من أولى شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة الأميركية، على تفكيك شبكة الوصول اللاسلكي المفتوحة في ولاية ويسكونسن بسبب الصعوبات التي تواجهها على صعيد الوصول إلى المعدات اللاسلكية المتوافقة بسبب متطلبات الحد الأدنى لحجم المشتريات التي يفرضها البائعون.
وتماما كما هو الحال مع العديد من شركات الاتصالات الأصغر حجما، اعترفت شركة "سيلكوم" بافتقارها للقوة الشرائية التي يتمتع بها كبار المشغلين.
وتدرك شركات التقنيات والاتصالات هذه قانون العواقب غير المقصودة، إذ غالبا ما يفضي التدخل الحكومي إلى خسائر مادية وتقنية لأنه يجبر المشغلين على اتخاذ قرارات غير مدروسة تجاريا لتلبية أجندات خفية.
الوضع في الشرق الأوسط
ينتمي معظم مزودي الخدمات الإقليميين إلى فئة الشركات الصغيرة والمتوسطة، ودون أدنى شك، سيواجهون تحديات كبيرة مع شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة.
عقبة أخرى تقف أمام هذه الشبكات في الشرق الأوسط أيضا، إذ وقعت الحكومات فيها على تعهدات دولية لخفض انبعاثات الكربون، بما في ذلك خفض مستويات استهلاك الطاقة في قطاع تقنية المعلومات والاتصالات، إلا أن التقديرات الصادرة عن شركة "إريكسون" تشير إلى أن معدلات استهلاك الطاقة في شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة أعلى بنسبة 40 في المئة تقريبا من معدلات استهلاك الطاقة في الشبكات المتكاملة.
وتقف شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة أمام مفترق طرق، إذ أن عليها إثبات ما تستطيع تقديمه للمجتمع من فوائد، وهو ما فشلت فيه حتى الآن.