ماهر أبو طير - لسنا بحاجة إلى دراسات عالمية، حتى نثبت أننا من الشعوب الغاضبة في العالم، إذ أن جولة صباحية في شوارع عمان، أو شقيقاتها تثبت أن الغضب يرتسم على الوجوه في كل مكان.
وفقا لقائمة مؤشر الغضب العالمي التي أصدرتها شركة الأبحاث العالمية «غالوب» المتخصص في قياس العواطف يتبوأ الأردن المرتبة الخامسة، حيث تصدرت لبنان القائمة التي صنفت الدول الأكثر غضباً في العالم، واحتلت تركيا المرتبة الثانية تلتها أرمينيا ثم العراق، وذكر التقرير الذي غطى الفترة ما بين النصف الثاني من عام 2021 وبداية عام 2022 أن 35 % من الأردنيين يعانون من الغضب و54 % يشعرون بالألم والقلق
و58 % يشعرون بالتوتر و39 % يشعرون بالحزن، وترتكز الدراسة على خمسة جوانب وهي الغضب والحزن والقلق والألم النفسي والتوتر.
برغم أن البعض يظن أن العبوس الذي يرتسم على وجوه الأردنيين موروث من الشعور بالهيبة، فقط، مع اعتبار المزاح والابتسامة يقللان من قيمة الإنسان، إلا أن عوامل الحياة الضاغطة على كل المستويات، والحروب، والويلات في المنطقة، زادت من حدتها، وليس أدل على ذلك من العنف المتفشي لأتفه الأسباب في المجتمع، وهو عنف يعبر عن غضب كامن يتم تنفيسه بواسطة المشادات، واستعمال السلاح، وغير ذلك من أنماط نلمسها يوميا، بما يجعل أغلبنا يتجنب الدخول في أي اشتباك، كونه سيتطور إلى ما هو أكبر، سواء داخل البيوت، أو في أماكن العمل، أو حتى الشوارع، وخلال أي حوار أو كلام، وفي حالات كثيرة على أتفه الأسباب وأصغرها.
السبب الاقتصادي، أساسي، والشعور بعدم الرضا، يؤدي إلى الغضب من كل شيء، والذي يخرج بسيارته صباحا في عمان قبيل الثامنة صباحا، وخلال توجه كثيرين إلى أعمالهم، يقرأ وجوههم وهم داخل السيارات، يستهلكون القهوة والسجائر، والهموم تركب أكتافهم، بسبب ظروف الحياة، التي تتعقد يوما بعد يوم، بما يجعل الغضب مؤهلا للزيادة والارتفاع، وليس التراجع.
عدم الرضا يرتبط أيضا بالظروف المهنية، والعائلية، والشعور بغياب العدالة، وانعدام المستقبل والفرص، وتفشي الفساد بكل أنماطه، وصعوبة تحصيل الحقوق، أو إيجاد حلول لكثير من القضايا التي تواجه الإنسان في الأردن، وحالة عدم الرضا، تتحول تدريجيا إلى غضب مكتوم قد ينفجر على مستوى الفرد في أي لحظة، بل إن الغضب يرتسم على وجه الزوج والزوجة وهما في سيارة واحدة، حيث يشيح كل واحد منهما وجهه عن الآخر، وهذا أمر نراه يوميا، وكأنهما عدوان مجبوران على العيش معا، ربما من أجل أطفالهما، أو بسبب كلفة الانفصال الاجتماعية والمالية.
لكن علينا أن نلاحظ بالمقابل أن هناك شعوبا أكثر فقرا منا، وربما معدمة، لكن شخصيتها الاجتماعية، هادئة ولطيفة، وتميل إلى السكينة والهدوء، وليس أدل على ذلك من أشقاء الروح من المصريين، أو الهنود، أو غيرهم من شعوب يواجهون الفقر بكل صبر، وهذا يعني أن الفقر ليس سببا وحيدا، بل إن هناك اعتبارات تتعلق أيضا بتركيبة البلاد الجبلية والصحراوية، التي تجعل من طبيعة الشخص، أقرب إلى المحاربين الشرسين، الذين لا يحتملون أبدا، على عكس الشعوب الأقرب إلى مياه البحار، حيث شخصيتها الاجتماعية، تميل إلى الليونة، والتفاهم.
في الغضب، نظريات كثيرة، وتفسيرات، لكن المؤكد هنا أن لدينا ما هو أخطر من الغضب، وليس أدل على ذلك مما تقوله الدراسات الرسمية، حول وجود مليوني شخص في الأردن يعانون من الأمراض النفسية بدرجات مختلفة، ووجود مئات الآلاف الذين يراجعون العيادات النفسية سنويا، وهذا أمر متوقع، وجميعنا نعاني من الاكتئاب بدرجات مختلفة، وبعضنا يتحدث مع نفسه، وأغلبنا يستبد به الخوف والقلق، وأشير هنا إلى ما قاله مستشار الطب النفسي الدكتور وليد سرحان، حول أن النسبة العالمية للاضطرابات النفسية هي 20 % مما يعني وجود 2 مليون مريض نفسي في الأردن يراجع 10 % منهم العيادات الحكومية ومثلهم يراجع عيادات القطاع الخاص مما يشير إلى أن أكثر من نصف العدد الإجمالي بحاجة للعلاج لكنهم لا يتلقونه.
هذه أعراض تشتد مع غياب الدين، والسكينة والتعلق بالله، أيضا، وكلما ابتعدنا أكثر، شقت علينا الحياة، حيث التيه الأكبر، وسط هذه الظروف المعقدة التي تتنزل علينا كل يوم.