فلم يكن لسكان هذه الولايات قبل أن ينتفض "رجال الاستقلال" سوى الاحتفال بعيد ميلاد ملك بريطانيا العظمى، بقرع الأجراس والألعاب النارية، وتسيير والمواكب الاحتفالية، وإلقاء الخطب العصماء.
فمنذ دخلت بريطانيا أرض أمريكا البكر بدءا من 1606، ظل الأمريكيون المستعمرون في حالة خضوع تام للإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس، لشساعة المستعمرات التابعة لها.
أولى خطوات التحرر
بيد أن الخنوع الدائم لم يكن قدَر المستعمرات الأمريكية الأبدي، فبدأت أولى إرهاصات البحث عن الحرية بالتئام الولايات المتفرقة في اتحاد كونغرسي عام 1754.
الكونغرس الوليد الذي تأسس رغما عن الإمبراطورية، وفي ظل معارضتها الشنيعة، شكّل إطارا لمطالبة أعضائه بمزيد من الحقوق تحت قبضة المستعمر، إلى أن أعلن الاستقلال عن بريطانيا العظمى، عام 1776، لتنمو بذرة أمة جديدة ستسمى لاحقا الولايات المتحدة.
في الثاني من يوليو صوت الكونغرس المذكور على إعلان استقلال الولايات الثلاث عشر عن بريطانيا بعد عام من حرب لن تنتهي قبل ثماني سنوات، لكنها فتحت أعين الأمريكيّين حينها على إمكان التحرر من نير المستعمِر
حرب الإستقلال الأمريكية (1775-1783)، أو الحرب الثورية الأمريكية، اختصاراً الحرب الثورية في الولايات المتحدة، بدأت كحرب بين مملكة بريطانيا العظمى والمستعمرات الثلاثة عشر ، لكنها تصاعدت تدريجياً إلى حرب عالمية بين بريطانيا من جانب واحد والولايات المتحدة التي تشكلت حديثاً، فرنسا، هولندا، إسبانيا، الآخر . تحقق الاستقلال الأمريكي واعترفت القوى الأوروبية باستقلال الولايات المتحدة، مع مواقف متباينة للبلدان الأخرى.
على الرغم من إعلان استقلال الولايات المتحدة يحمل تاريخ 4 يوليو/تموز 1776، فقد تم التوقيع على الوثيقة من قبل 56 مندوبا يمثلون تلك المستعمرات يوم 2 أغسطس/آب 1776.
وفي 17 سبتمبر/أيلول 1787، اعتمدت اتفاقية فيلادلفيا الدستور الأميركي، وصودق عليه عام 1788، مما جعل تلك الولايات جزءا من جمهورية واحدة لها حكومة مركزية قوية. وتلك الولايات هي: نيو هامبشر، وماساشوستس، ورود آيلند، وكونيكتيكت، ونيويورك، ونيوجيرسي، وبنسلفانيا، وديلاور، وماريلاند، وفيرجينيا، ونورث كارولينا، وساوث كارولينا، وجورجيا.
صودق أيضا على وثيقة الحقوق عام 1791، وتضمنت عشرة تعديلات دستورية، لتضمن العديد من الحقوق المدنية الأساسية والحريات.
الوثيقة
وثيقة استقلال الولايات المتحدة قصيرة جدا تتكون من سبع مواد، وقد صمم الدستور لتشكيل حكومة اتحادية لها سلطة محدودة، ولحماية حقوق الولايات. وعبرت الوثيقة ببلاغة عن الأسباب التي دفعت المستعمرات إلى إعلان استقلالها عن بريطانيا، وحملت الحكومة البريطانية مسؤولية مفاسد كبيرة، وأوضحت أن لكل الناس حقوقا معينة، بما فيها حقهم في أن يغيروا أو يطيحوا بأية حكومة تسلبهم حقوقهم.
أُعدت وثيقة استقلال الولايات المتحدة من قبل لجنة مكونة من خمسة أشخاص، من ضمنهم توماس جيفرسون الذي كان كاتبها الرئيسي، وقام الكونغرس الأميركي بمناقشة الإعلان ومراجعته، ثم الموافقة عليه في الرابع من يوليو/تموز 1776.
وتركز المواد من الأولى إلى الثالثة على السلطة والصلاحية الممنوحة للفروع الثلاثة للحكومة الاتحادية، وهي: السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية.
وتحدد المادة الرابعة العلاقة بين الولايات العديدة، وتركز المادة الخامسة على التوجيهات الخاصة لتعديل الدستور، والمادة السادسة توضح أن الدستور يشكل القانون الأعلى في البلاد، والمادة السابعة تقدم شرحا لعملية المصادقة على الدستور.
ومن جهة أخرى، عدّل الدستور 27 مرة، من ضمنها تعديل وثيقة الحقوق، وقد تناولت التعديلات الإضافية قضايا متعددة، شملت تجريم العبودية، وتمكين النساء من حق الاقتراع، وضمان حماية حقوق التصويت.
وجرى أحدث تعديل عام 1992، ونص على أن أي قانون يغير من تعويض أعضاء الكونغرس لا يصبح نافذ المفعول إلا بعد إجراء انتخابات جديدة في الكونغرس.
مبادئ أساسية
تضمنت وثيقة استقلال الولايات المتحدة العديد من التجديدات والمبادئ، منها: إعلان أن كل الناس خلقوا على قدم المساواة، وأن لديهم حقوقا حباهم بها الخالق لا يجوز التصرف فيها، منها "حق الحياة والحرية والسعي وراء السعادة"، و"أن الناس لديهم الحق في اختيار حكوماتهم"، وأنه "تأمينا لهذه الحقوق فقد أنشئت الحكومات مستمدة سلطاتها العادلة من موافقة المحكومين".
أهمية الوثيقة
عكس الإعلان أفكار العديد من مفكري تلك المرحلة وفلاسفتها حول مبادئ الحرية والعدالة السياسية والاجتماعية، من بينهم الكاتب الإنجليزي المولد توماس بين، وجون لوك، إضافة إلى ما كان يدعو إليه مؤيدو حركة الاستقلال.
وتميزت الوثيقة ببلاغة لغوية أثارت إعجاب الأميركيين، وحفزت المواطنين الأوروبيين لدفع حكوماتهم نحو مزيد من الديمقراطية، كما استفادت منها الشعوب الحديثة التواقة إلى الاستقلال والديمقراطية.
يعتبر يوم الرابع من يوليو/تموز من كل عام عيدا وطنيا ومناسبة خاصة للشعب الأميركي، وهو عطلة رسمية في البلاد.
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي