ماهر أبو طير - كل شهرين تخرج علينا الجهات الرسمية، وتتباكى بشأن أرقام الدعم المالي بخصوص الأشقاء السوريين، وكأن العالم مطالب بدفع ثمن قرار سياسي اتخذه الأردن، بسبب الحرب في سورية.
آخر الأرقام ما أعلنته وزارة التخطيط والتعاون الدولي في الأردن، حيث أشارت إلى أن حجم تمويل خطة استجابة الأردن للأزمة السورية بلغ 235 مليون دولار للنصف الأول من العام الحالي، من أصل 2.28 مليار دولار، وبنسبة وصلت إلى 10.3 %، من المطلوب أصلا، وبحسب هذه البيانات، فإن العجز في تمويل الخطة بلغ في آخر تحديث لغاية 30 حزيران 2.045 مليار دولار، وبنسبة 89.7 % من إجمالي حجم الخطة التي أعلنها الأردن، وانتظر على أساسها دعما ماليا.
لقد قيل ألف مرة إن الأزمة السورية، في أحد أوجهها أصبحت أزمة أردنية، ولم تعد أزمة عالمية، ومعنى الكلام هنا، أن كثرة الاستغاثة بدول العالم، لن تؤدي إلى نتيجة كما في بدايات الأزمة.
انخفاض أرقام الدعم للأردن على خلفية الملف السوري، يعبر عن عدة أمور، أولها أن هناك فشلا سياسيا في التعبير عن احتياجات الأردن، على خلفية قدوم الأشقاء إلى الأردن، واحتياجاتهم، وهذا الفشل واضح في انخفاض التجاوب مع الأردن، وتراجع قناعات الممولين، بعد كل هذه السنوات، كما أن انخفاض ارقام الدعم يعبر ايضا عن تخلي المجتمع الدولي عن ضحايا هذه الحرب، التي أوقدوا نارها بكل الطرق وشجعوا السوريين على الهجرة، ثم تركوهم فرادى، إضافة إلى أن انخفاض الارقام يؤشر إلى ان دول العالم لديها اهتمامات أخرى، تفرض نفسها على طريقة إنفاقها، خصوصا، في ظل التراجعات الاقتصادية، بسبب كورونا، والحرب الروسية الاوكرانية، وارقام التضخم في العالم، وارتفاع كلف الوقود، وبحيث تراجعت الأزمة السورية إلى آخر سلم الأولويات لدى الحكومات المانحة، في ظل تغير الظروف، ومرور كل هذا الوقت.
لن تغير عمان الرسمية من طريقتها، برغم تراجع التمويل المالي، فهي ستواصل طلب الدعم المالي من العالم، لتغطية نفقات تعلنها على صعيد التعليم والعلاج وغير ذلك، لكن عليها ان تتوقع ان هذه الأرقام سوف تنخفض أكثر، وربما تتبقى بضعة برامج تأهيل تشرف عليها حكومات ومؤسسات دولية ضمن شروط، بعد أن تم تحويل أزمة اللجوء السوري، إلى أزمة أردنية في بعض أوجهها، وبحيث يتحمل البلد المستضيف الكلفة، من شربة الماء، وصولا إلى بقية القضايا.
يشعر السوريون في الأردن بتحسس بالغ إزاء الخطاب الرسمي الذي يكرس جمع المال، على خلفية وجودهم، ويلمح هؤلاء صراحة إلى أنهم لا يشكلون هذا العبء، برغم كل المعطيات الرسمية، فيما يرد الرسميون بإحصائيات وأرقام، لها بداية وليس لها نهاية، وبينهما يتعمق اللجوء السوري، في ظل تحول كتلة الأشقاء إلى كتلة مقيمة بشكل دائم، وليس كتلة لاجئين مؤقتة، خصوصا، أن الظروف في سورية، تؤشر إلى استمرار الوضع الصعب، وانعدام الحلول السياسية، وارتدادها الاجتماعي والاقتصادي على الذين تم تهجيرهم من بلادهم بسبب الحرب.
من المؤكد أن عمان ستواصل طلب المال بكل الوسائل، ومن المؤكد أيضا أن الدفع سوف يتراجع، أكثر وأكثر، وعلى عمان أن تقر وتعترف اليوم، أنها أمام هذا الحمل وحيدة، دون أي انفراج في أصل الأزمة السورية، ودون أي أفق بعودة الأشقاء، أو قدرة الأردن الذاتية على إدارة وتغطية الكلف المتعلقة بوجود الأشقاء، الذين بلا حول ولا قوة في هذا الزمن الصعب الذي يعصف بنا.
الأردن يحاول إدامة تدويل ملف اللجوء السوري، والعالم يريد أردنة الملف بشكل كامل، بحيث يكون أزمة أردنية بحتة، بما يعنيه ذلك على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.