سلامة الدرعاوي - أكثر وصف دقيق لحالة الاقتصاد الأردنيّ هو الذي أطلقه رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة مؤخرا على اقتصاد المملكة بأنه الأكثر منعة تجاه الصدمات الإقليمية المتعاقبة.
نعم الاقتصاد الوطنيّ، اقتصاد منيع تجاه الأزمات الداخليّة والخارجيّة معاً، وهذا أدى لمحصلة رئيسية هو انه اقتصاد مستقر وثابت ضمن مؤشرات محددة، لا يمكن ان توصف بالسلبية التي تؤثر في الاستقرار الماليّ للاقتصاد رغم جسامة الأحداث في مشهدها العام، لدرجة ان بعض المحللين يرون ان الاقتصاد متجه للهاوية، أو انه دخل في نفق مظلم يصعب الخروج منه.
لكن النتائج تأتي عكس تلك الآراء، وتخالف الواقع والمعطيات كثيراً، فالاقتصاد في كل أزمة يخرج منها أكثر صلابة ومقاومة للمتغيرات، لدرجة أنه بات اقتصادا مرنا في التعاطي الإيجابي مع تلك الأزمات.
فالحرب العراقية الايرانية وفرت له نافذة تصديرية قوية للسوق العراقيّة، لدرجة ان الكثير من الصناعات الوطنية أنشئت أساسا للسوق العراقيّة، مقابل أن توفر للمملكة إمدادات نفطية بأسعار تفضيلية بما عرف حينها بالبروتوكول التجاري بين البلدين، وكان الاعتقاد السائد أن الأردن لا يستطيع الخروج من عباءة التعاملات مع العراق نتيجة الاعتماد الشديد عليه والذي بلغ حجم المبادلات التجاريّة في بعض الفترات أكثر من 3 مليارات دولار سنويّاً.
لكن هذا المشهد تغيّر مع حرب العراق سنة 2003، حينها تحوّل الأردن سريعا من الاعتماد على النفط العراقي التفضيلي إلى النفط الخليجي التفضيلي الذي استمر لعام تقريبا، استبدل بعدها بمنح ماليّة مباشرة لدعم الخزينة، ناهيك عن مساعدات مباشرة للاقتصاد من الدول المانحة على رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان، وكلها مساعدات ساهمت كثيرا في دعم واستقرار الاقتصاد الوطنيّ ومساعدته على تنويع قاعدته الاقتصاديّة والخروج بأقل الأضرار من فقدان السوق العراقيّة التفضيلية له.
حتى الأزمة الاقتصاديّة سنة 2008، وان كانت ألقت بظلال قاتمة على القطاع الخاص وتحديدا في حركة أسواق رأس المال، إلا أن الاقتصاد الوطني بقي صامداً وقادراً على التعامل بشكل مرن مع التزاماته الداخليّة والخارجية.
أما الربيع العربي، فقد تجلت مرونة النظام وعبقريته بالتعامل الأمني مع معطيات الوضع الملتهب بشكل شديد الذكاء، وقدرة فائقة على استيعاب حركات الاحتجاجات والمناخ السلبي العام الذي ظهر حينها في نهاية 2011، والنتيجة كانت عودة الأمور إلى نصابها الأمنيّ المستقر، رغم جسامة كلفها الماليّة التي ما تزال الخزينة تدفع ثمنها لغاية يومنا هذا.
كورونا هي الأخرى شكل من أشكال الاختبار للإدارة الأردنيّة في التعاطي مع المستجدات الطارئة ذات المستويات الخطيرة، وكادت في لحظة من اللحظات تهوي بالمؤشرات الاقتصاديّة وتعود بها لنقطة الصفر، لكن أيضاً استطاع النظام بكل مكوناته التعاطي المرن مع هذه الجائحة والتصدي لها بكل الإمكانات والخروج منها بأقل الخسائر مقارنة مع الآخرين.
مرونة الاقتصاد التي جعلته أكثر منعة في مواجهة الأزمات، هي نتيجة أساسية لطبيعة العلاقات للقيادة الهاشمية مع دول العالم والتي حظيت باحترام عال وتقدير لمواقف الأردن في المنطقة والعالم، مما جعله حليفا أساسيا لهم في المنطقة، ساهمت بشكل أو بآخر بتدفق المساعدات الخارجيّة عليه التي ساهمت إيجابيا في استقراره وتلبية احتياجات الخزينة التمويليّة المختلفة والطارئة.
منعة الاقتصاد الوطنيّ تجاه الأزمات المختلفة هي تحصيل حاصل لطبيعة الحراكات الداخليّة التي تنفذها الحكومات بشكل متدرج ومتسلسل، فتغيير الحكومات والاستمرار في الانتخابات النيابية ومواصلة الاتفاق مع المؤسسات الاقتصاديّة الدوليّة وعلى رأسها صندوق النقد الدوليّ، وطبيعة العلاقات الاستراتيجيّة مع الولايات المتحدة كلها عوامل أساسية مكنت الاقتصاد الوطنيّ من الاستمرار في الحفاظ على استقراره ومنعته تجاه المعطيات والمستجدات الطارئة على اقتصاده، وهذا ما قد يفسر لماذا النظرة الإيجابية المستقرة لمؤسسات التصنيف الائتماني العالمية للاقتصاد الوطنيّ، لكن هذا كله لا يبرر أبداً اي تقاعس او تباطؤ في عمليات الاصلاح الاقتصاديّ وتحسين الإدارة العامة وتطويرها.