لقد صمد اليورو " € " Euro أكثر من عقدين من الزمن وبالتحديد عند إصداره كعملة في 1 كانون الثاني عام 1999 وبسعر 1 يورو= 1.1747 دولار أمريكي, وفي 1 كانون الثاني عام 2002 تم إصدار الأوراق النقدية ليتم تداوله رسمياً من قبل مجموعة الأعضاء (إتحاد اليورو) في الإتحاد الأوروبي وعددها 19 دولة من أصل 27 دولة تشكل الإتحاد الأوروبي ,حيث تشكل دول إتحاد اليورو ال19 ما نسبته 85% من الناتج المحلي للإتحاد الأوروبي لعام 2021 والبلغ 17089 مليار دولار حسب البنك الدولي.
فإحتل اليورو المركز الثاني من العملات الأجنبية التي تحتفظ بها البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم حيث يشكل اليورو 20% من تلك الإحتياطات العالمية من أصل 12 ترليون في نهاية العام 2021 .
لقد تقلبت أسعار اليورو بالإرتفاع إلى أن سجلت رقماً قياسياً بلغ 1.5047 دولار في شباط عام 2008 , وبعدها بدأ بالإنخفاض ليصل الآن قرابة السعر الذي بدأ عليه عند إصداره وهي المرة الأولى في تاريخه .
هذه الهزة القوية التي تعرض لها اليورو وسيتعرض لها بالمستقبل القريب بتقديري لها أسبابها أهمها:
1) القيادة الألمانية الغير محنكة إقتصادياً وسياسياً والتي تقود إتحاد اليورو بعد خروج المستشارة الألمانية ميركل من رئاسة الحكومة الألمانية العام الماضي بعد توليها مدة 16 عاماً واكبت خلالها إتحاد اليورو , حيث أنقذت المستشارة هذا الإتحاد أكثر من مرة من التفكك, وأقوى هزة تعرض لها إتحاد اليورو كان عام 2010 بعد أن هددت اليونان استقراره بإفلاسها,حيث عملت المستشارة بتجنيب اليونان خطر الإفلاس بقيادتها الذكية للإتحاد, حيث تعتبر ألمانيا أقوى إقتصاد في أوروبا قاطبةً وهي رابع إقتصاد في العالم, بناتج إجمالي محلي بلغ 4223 مليار دولار عام 2021 ويشكل 29.1% من الناتج الإجمالي المحلي لدول إتحاد اليورو والبالغ 14493 مليار دولار لعام 2021 , وكذلك الناتج الإجمالي المحلي الألماني أعلى من 15 دولة مجتمعة من دول إتحاد اليورو من أصل 19 دولة.
2) خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي وما تبعه من تعقيدات في التبادلات التجارية والنشاط الإقتصادي مع دول إتحاد اليورو.
3) جائحة كورونا وتوابعها من توقف وإنقطاع لسلاسل الإمدادات العالمية والإرتفاع في أسعار السلع .
4) لجوء الفيدرالي الأمريكي إلى رفع الفائدة على الدولار 3 مرات متتالية وهناك أيضاً 3 رفعات أخرى حتى نهاية 2022 مما أدى إلى إرتفاع قيمة الدولار أمام سلة العملات العالمية وخصوصاً أمام اليورو.
5) الإقتصاد الضعيف لبعض دول إتحاد اليورو وغرقها بالديون مما شكل ضغطاً كبيراً على إتحاد اليورو.
6) الحرب الروسية – الأوكرانية وهي السبب الرئيسي والمباشر نتيجة تأثيرها على إتحاد اليورو كما يلي:
- إرتفاع فاتورة النفط والغاز ونقص هذه الإمدادات حيث تحصل أوروبا على 26% من حاجاتها النفطية من روسيا و40% من حاجاتها من الغاز من روسيا أيضاً , وستتعمق هذه المشكلة في فصل الشتاء لزيادة الطلب على النفط والغاز مما سيؤدي إلى توقف مصانع كثيرة عن الإنتاج في منطقة إتحاد اليورو, بالإضافة إلى طلب روسيا من هذه الدول دفع ثمن النفط والغاز بالروبل .
- التهديد بإغلاق المصانع التكنولوجية والتي تعتمد على إستيراد الرقائق الإلكترونية والتي تدخل في صناعتها المواد الأولية التي تستورد من روسيا وأوكرانيا بنسبة تصل إلى 70% , كمصانع السيارات الكبرى مثل مرسيدس وبي إم دبليو وفولكس فاجن ورينو , ومصانع المعدات الطبية مثل شركة Siemens وشركات صناعة الأجهزة الكهربائية والطائرات والقطارات والكاميرات ومركبات الفضاء وألعاب الأطفال وغيرها.
- التهديد بخفض إنتاج المصانع التي تستخدم النيكل من بطاريات والفولاذ المقاوم للصدأ أو الإستانلس ستيل وصناعة العملات والأسلاك, لأن روسيا وحدها تعتبر ثالث مصدر للعالم من هذا المعدن بحصة تساوي 10%
- التهديد بخفض إنتاج المصانع التي تستخدم البلاتينيوم من زجاج ومجوهرات ومعدات المختبرات وطب الأسنان لأن روسيا وحدها تعتبر من أهم مصدري العالم من هذا المعدن بحصة تساوي 15%
- إرتفاع كلفة التسليح لدول إتحاد اليورو من موازنات تلك الدول والمساعدات اللوجستية والعسكرية لأوكرانيا , حيث ستكون هناك إستراتيجية دفاعية مستقلة لرفع الإنقاق العسكري بما لا يقل عن 2% من الناتج الإجمالي المحلي لكل دولة من دول إتحاد اليورو بما يعادل مجموعه 290 مليار دولار من موازنات تلك الدول.
- الكلفة الباهضة لإستضافة اللاجئين الأوكرانيين, وخصوصاً أن نصفهم من الأطفال , ووفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يتوقع أن يكون 8.3 مليون لاجىء قد غادروا أوكرانيا بنهاية 2022 وعدد كبير منهم سيتوجهون إلى دول إتحاد اليورو.
- الإنخفاض في معدل السياحة عن المتوقع بعد جائحة كورونا .
- نشوء خلافات سياسية داخلية لبعض دول إتحاد اليورو من قبل الأحزاب المعارضة أدى إلى استقالات لبعض الحكومات.
- نقص في إنتاج المحاصيل الزراعية في بعض دول إتحاد اليورو بسبب الجفاف نتيجة التغير المناخي , وتوقف تصدير المحاصيل الزراعية من روسيا وأوكرانيا.
- إرتفاع نسبة التضخم في دول إتحاد اليورو إلى رقم قياسي حيث وصل في شهر أيار عند مستوى 8.1%
إن الأسباب السابقة ستؤثر بشكل كارثي على دول إتحاد اليورو إذا لم تتوقف الحرب الروسية – الأوكرنية, حيث ستؤدي إلى إنخفاض بالناتج الإجمالي لدول إتحاد اليورو وفقدان ملايين الوظائف وتباطىء لمعدل النمو السنوي وإزدياد الإرتفاع في نسبة التضخم وإزدياد الدين العام لمعظم دول الإتحاد كل ذلك سيجعل وضع اليورو وتماسكه بين دول إتحاد اليورو صعباً جداً, لذلك سيتجه اليورو إلى الإنخفاض المتواصل ليصبح أقل من الدولار.
م.مهند عباس حدادين
رئيس مجلس إدارة شركة جوبكينز الأمريكية
mhaddadin@jobkins.com