زاد الاردن الاخباري -
يلتقط سياسي محنك وخبير من وزن طاهر المصري ما هو جوهري في المسألة والقلق عندما يعبر عن خشيته من انتهاء ترتيبات الرئيس الأمريكي جو بايدن والإسرائيليين ومحور الإبراهيميات بضرر بالغ فقط يحاصر مصالح وتطلعات الشعبين الأردني والفلسطيني.
عملياً، المصري لم يكن الوحيد القلق بين النخب الأردنية من غموض الترتيبات، لا بل أجندتها الأعمق والمصادقة حصلت سريعاً على مخاوف الأردنيين والفلسطينيين عندما رصد رئيس الولايات المتحدة مساء الأربعاء، وهو يعلن في تل أبيب عن “عودته إلى الوطن” ثم تنهمر دموعه أمام الكاميرات متعهداً بالاستمرار في محاربة ما وصفه العداء للسامية، ومعبراً عن تأثره البالغ بما سمعه من ناجيتين يهوديتين من المحرقة.
بايدن شاهده الزعماء العرب بوضوح ومع أطقمهم وهو يركز مجدداً على إدماج إسرائيل بين دول المنطقة، فيما كان واحد من أضخم مشاريع التطبيع الإقليمية تظهر بعض تفاصيله بعنوان اقتراح مكتوب من وزير مالية الكيان الإسرائيلي لبايدن بإقامة خط سكة حديدية عملاقة لنقل الركاب والبضائع من ميناء حيفا إلى الخليج العربي.
دون ذلك، عبر بايدن في تل أبيب مجرد عبور على فكرة متطلبات إنجاح مشروعه إدماج إسرائيل الذي سيكون أفضل لو توصل الإسرائيليون مع الفلسطينيين إلى اتفاق.
لكن الإشارة هنا تكررت لاتفاق بين جانبين لا يريد بايدن لا فرضه ولا طرحه، ولا يريد حتى التمسك به، بل يقف عند حدود اقتراحه فقط ليس أكثر.
في نقاش مباشر وطازج جداً، ينفي المصري شعوره بالاستغراب لأن بايدن وطاقمه أبلغا عمان وغيرها من عواصم العرب أصلاً بعدم وجود خطة لدى الإدارة الحالية من أي نوع لا لإنجاز تسوية ولا للعودة إلى التفاوض ولا حتى لإطلاق عملية سياسية من أي صنف.
الوضع مربك بوضوح، شرح المصري وهو يعبر عن أسفه الشديد لأن عملية التطبيع أصبحت البند الأول على جدول أعمال الأمريكيين، ولأن النظام الرسمي العربي يتجاوب هكذا وبكل بساطة، لا بل ويفرط في التجاوب أحياناً بدون توفير غطاء عربي من أي نوع ولو لفكرة منح الفلسطيني أي من حقوقه الأساسية أو لفكرة تبرير عملية التطبيع على الأقل.
لذلك، يركز سياسي بخبرة المصري حتى في نقاشاته المتعلقة بزيارة بايدن إلى المنطقة وتوابعها على حدسه وشعوره بأن المخاوف لا بد أن يرتفع منسوبها، لأن مصالح الشعبين الفلسطيني والأردني الأساسية والحيوية اليوم على المحك، ولأن مجمل تلك الترتيبات الموسومة بالإبراهيمية عموماً قد يدفع ثمنها الأردن وفلسطين معاً.
“العرب لا يطلبون شيئاً له علاقة بالقضية الفلسطينية مقابل التطبيع”.
تلك مقولة يوافق المصري مثل آخرين كثر على أنها تتحول إلى واقع موضوعي.
لكن الغامض فقط حتى الآن هو خلفية الرهان الأردني، لا بل الاندفاع الدبلوماسي نحو مشاريع وتوجهات إدارة بايدن بدون حسابات دقيقة أو واضحة على الأقل، الأمر الذي زاد من معدل طرح الأسئلة وفي كل الأوقات، كما رفع من منسوب القلق والاحتمالات، ليس لأن الأردن عملياً كان أو لم يكن على طاولة التحضير لزيارة بايدن والتشاور على ترتيباتها، ولكن لأن الأردن تظهر عليه فورة حماسة مفرطة قليلاً على المستوى الدبلوماسي تحديداً لحضور الترتيبات واللقاءات والمشاركة فيها بدون ضمانات لا للفلسطينين ولا حتى للأردنيين بتلك القضايا التي تخصهم وتهمهم، بما في ذلك الوصاية الهاشمية الأردنية في القدس والمسجد الأقصى، واستراتيجية عمان الثابتة في المجال الحيوي المتعلق بدعم وإسناد قيام دولة فلسطينية، ودون إظهار الأمريكي لأي إهتمام من أي صنف بإنقاذ ما تبقى من هياكل ومنظومة اتفاقية أوسلو فلسطينياً، لأن السلطة الفلسطينية حتى بتقدير المصري تتآكل الآن.
والأهم من كل تلك الاعتبارات هو إقرار النخب العميقة بأن تركيز بايدن على إدماج إسرائيل في المنطقة، بمعنى إكمال ما بدأه سلفه دونالد ترامب واستكمال حلقة الإبراهيميات ومسلسل مشاريع النقل والشحن الإقليمية، وبدون أي تقدم بأي عملية سلام أو مفاوضات يخدم في الخلاصة طرفاً واحداً في الإقليم هو إيران، التي يقول الإسرائيليون إن بايدن زارهم للاتفاق على استهدافها قبل أن تحط طائرته بمطار أي مدينة خليجية.
الخلاصة هنا بأن مظاهر قلق النخب الأردنية مبررة سياسياً وطنياً.
وأن الأردن مجدداً قد يمضي في ترتيبات بايدن المستجدة وهو في حالة ضعف اقتصادي، فيما تهدد مصالحه ودوره الإقليمي أشباح ما تبقى عالقاً من صفقة القرن إياها.
ولا تُعرف بعد هوامش المناورة والاختراق الممكنة أو هوامش تحقيق بعض المكاسب من أي نوع