رغم صعوبة الوضع الذي يمر به الاقتصاد الاردني والعقبات التي تقف امام تعزيز عملية التنمية المستدامة الا ان التحدي الاكبر الذي تواجهه حكومة سمير الرفاعي هو افتقارها لخطاب اعلامي رسمي يدير الازمة بحكمة واقتدار.
كلما خرج الاعلام بنقد لموضوع زيادة الضرائب على المواطنين وتقديم حلول فاعلة ومنطقية لمعالجة الخلل في الموازنة الذي سببته السياسات الرسمية الخاطئة وليس سلوك المواطنين الذين دائما وابدا يتحملون وزر اخطاء الحكومات يخرج علينا مسؤولو الاعلام الرسمي بتنديدات قاسية للاعلام الذي سرعان ما يتم اتهامه بانه يعمل وفق اجندات خارجية مشبوهة تصل في بعض الاوصاف الى اتهامه بالخيانة والفساد والسعي نحو مصالح شخصية, من دون الاشارة لا من قريب او بعيد الى مضمون ما تناوله الاعلام في الشأن الاقتصادي الام ومناقشة الخيارات المتجهة باسلوب شفاف ونزيه.
يعتقد مسؤولو الاعلام الرسمي الذين للأسف يعيشون اليوم في حالة "انفصام" عما يدور من معيقات وتحديات استثنائية اقتصادية انه عندما تتجه الحكومة لفرض ضرائب جديدة على الاسر الاردنية فان واجب الاعلام هو "التزمير" والثناء على التوجه الحكومي واعتباره انجازا يصب اولا واخيرا في مصلحة المواطن.
بدلا من لجوء مسؤولي اعلام الحكومة الى مهاجمة الكتاب والاعلام واتهامه بصفات غير لائقة لمجرد انتقادهم لقرارات غير شعبوية على الاطلاق من الاعباء المعيشية للاردنيين نتمنى عليهم ان يعودوا الى صوابهم ويفيقوا من تلك الغيبوبة التي افقدتهم البوصلة في التحرك الاعلامي, والبدء بحوار فاعل مع مؤسسات المجتمع وفعالياته المختلفة لمناقشة طبيعة الازمة الاقتصادية وسبل معالجتها من خلال مناقشة بدائل وحلول منطقية والخروج بمقترحات قابلة للتنفيذ, فلا يوجد شيء مستحيل.
وجود اعلام حيوي يقبل بالمقترحات والنقد البناء مسألة في غاية الاهمية لاية حكومة باستطاعتها في النهاية الوصول الى قرارات مرضية بأقل الخسائر بالنسبة للشارع شريطة ان يكون ذلك الاعلام الرسمي متحررا من عقلية المؤامرة السائدة الآن لدى معظمهم.
لمعالجة الازمة الاقتصادية الراهنة لا بد ان تكون القضية مطروحة على طاولة النقاش بكل شفافية , ورئيس الوزراء مطالب اليوم بتخطي آراء مستشاريه ومسؤوليه الاعلاميين بالانفتاح اكبر امام الرأي العام وتعزيز الحوار الذي يضمن في النهاية صورة لطيفة لاي قرار او توجه اقتصادي حكومي مقبل, لا ان يترك الامر لمستشارين مسؤولين متخصصين في ترهيب الاعلام وخلق اجواء مقلقة في البلد وزيادة حالة الارباك لعمل الرئيس ووضعه في دوامة صراع وهمي مع الاعلام في الوقت الذي يجب ان يكون الاعلام شريكا للحكومة في رسم السياسة وليس ندا لها.
الحكومة التي اصدرت في بداية عهدها ملحقا لموازنة 2009 لصرف مستحقات عاجلة لقطاعات رئيسية بقيمة 304 ملايين دينار تم اخراجه اعلاميا بانه انجاز للحكومة وهو كذلك, رغم ان ذلك من الناحية الاقتصادية يعني مديونية جديدة, وما كان هذا ليتم لولا الاعلام وتناول الكتاب الاقتصاديين تلك المسألة من منظور ايجابي, وكذلك للدور الحيوي الشفاف الذي لعبه مسؤولو الاقتصاد في الحكومة حينها - خاصة نائب رئيس الوزراء ووزير المالية اللذين قادا الموضوع بكل شفافية امام الرأي العام - وهذا مثال على المسؤولية الوطنية التي يقوم بها الاعلام بعيدا عن الطاقم الاعلامي الرسمي للحكومة الذي يحبذ دائما وضع الرئيس في مواجهة مع المواطنين.
لا يمكن ان يكون هناك اصلاح اقتصادي اذا ما ظلت العقلية الاعلامية الرسمية على ما هي عليه الآن, والمطلوب روح اعلامية وطنية تعي المعضلة الاقتصادية وتقبل بالرأي الآخر وتعمل بروح الشراكة بعيدا عن المؤامرات والترهيب اللذين يعملان بهما البعض الآن.0