وأنتِ هناك..تلملمين بقاءك و تسوقين للكون نقاءك..تأخذين من وجع الأيام سخريتي و تطلقينها بوجه الريح ؛ لعلّ الريح تنثر حيث ذهبت ..و أنتِ هناك..تفيقين من النوم بحثاً عن كلماتي ..عن تفاصيلي..تريدين أن تتكحّلي بصورة مشرّدة لي على الفيس أو بجُملة غاضبة رسمتُها بفنجان قهوة رديئة و سيجارة تبغٍ أردأ..!
وأنت هناك ..يفصلني عنك دماءٌ و جثثٌ و أشلاء غير ملمومةٍ ولا مضمومة..تقفين على بلكونة العشّاق ؛ تضعين يدك على حاجبيك و تنظرين في كل أُفقٍ متاحٍ لك ..لعلك ترين غباري قادماً إليك أو لعلّك تظفرين بخيال يشبه خيالي ..أو بـ(مرّاق) مشيته تشبه مشيتي و غضب خطواته يتراقص على الأرض كغضبي و رقصي ..و أنتِ هناك وعلى نفس البلكونة..تسرحين لعلّي آتي من ورائك وأضع يديّ على عينيك اليماميّتين ؛ لا تدركين من أنا إلا بهمس أنفاسي قريباً من شحمة أُذنك ..فأرفع يديَّ مغسولتين بدموع جديدة من عينيك ..!
وأنتِ هناك ..تستعدين لخوض معركة أخيرة اعددتِ لها من قوّة الصبر ومن رباط الوثوق بي ؛ لكنك وسط ضجيج العدّة و العتاد تفتحين صندوقاً من صناديق الذاكرة و تُخرجين قماشةً بيضاء من غير سوء..و ترتكين على حائطٍ قريب و تتذكرين ما قلته لي قبل بدء الغياب بلحظة : هذا البياض إما تعود و يصبح ثوبَ عرسي أو أنك لن تعود و يصبح كفني..!
وأنتِ هناك ..وما زلتِ تنتظرين بالذي هنا ..قد تضيق المسافة ولكنها لا تتحول إلى جزيرة نائية تسرقينني إليها و أسرقك فيها و نحلم بالرومانسية و الجريدة الصباحية التي بلا أخبار ..نحلم أن نستعيد ما ردمته السنوات الخدّاعات فوقنا و غطّت به حضورك و غيابي ..!
آه منك أنتِ..و أنتِ هناك وأنتِ هنا..و أنت تنزفين و تعزفين..وأنتِ تضعين يدك على قلبك الذي تزداد دقاته و يصبح كصوت الطبل و تخافين أن يفضحك و يقول لكل الجالسين بقربك و المارين من أمامك : إني أشمّ ريح الفارس..!!