زاد الاردن الاخباري -
الصحفية رانيا عثمان النمر - قبو يوم القيامة أو سفينة نوح أو قبو سفالبارد العالمي، كلها مسميات للبنك العالمي للبذور، وهو "بنك الموارد الجينية للبذور العالمي" عبارة عن مبنى عملاق آمن ومحصن وفريد التصميم على شكل كهف في أحد الجزر النرويجية في الدائرة القطبية الشمالية النائية، يحتوي على حوالي مليون نوع من بذور الكوكب ويتسع لملايين أخرى يتم تجميعها. بهدف صون وتأمين شبكة إمداد لبذورالعالم، في حال نشوب كوارث عالمية أو أزمات عميقة طبيعية أو حروب عالمية أو مجاعات.
حول العالم يوجد مئات بنوك البذور، لصون الموارد الوراثية للغذاء والزراعة PGRFA) ) لكن ما يميز قبو يوم القيامة " كبنك البنوك" هو بعده عن مناطق الحروب وتصميمه المقاوم للزلازل، وصلابته المقاومة للكوارث وقدرته على الإحتفاظ بدرجات حرارة منخفضة طبيعيا حوالي 4 تحت الصفر، حتى في حال انقطاع التجميد عبر الطاقة والذي يحتاجه وهو 18تحت الصفر.
وعلى سبيل المثال عندما اندلعت الحرب في سوريا عام 2011 تعرضت مجموعة من البذور المحفوظة في بنك سوريا للبذور للضياع، وبقرار مبكر من علماء سوريا وبالتعاون مع "ايكاردا" المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة، تم انقاذ وايداع عينات من البذورالأصيلة ( الآباء البرية والسلالات المحلية) الى قبو يوم القيامة لإنقاذها من الدمار. وعند الحاجة اليها وتحديدا في 2015، عاد فريق إيكاردا في سوريا إلى الجزيرة القطبية الشمالية، هذه المرة لاستعادة البذور من قبو يوم القيامة، وقد نال الفريق العلمي على هذه الجهود الاستثنائية في العمل تحت ظروف النزاعات المسلحة على جائزة "جريجور مندل للابتكار".
أردنيا : البدايات
تأسس بنك البذور عام 1993 ، ضمن مبنى المركز الوطني للبحوث الزراعية، وبدأ العمل في عام 1996 باستقبال العينات الأردنية وإطلاق مهمات الجمع ويضم البنك حوالي خمسة آلاف مدخل (عينة ) من مجاميع مختلفة أساسية، لصون الموروث النباتي الطبيعي الأردني وهي أولا سلالات محلية قديمة من أصناف طورها المزارع الأردني من خلال الأنتخاب الطبيعي عبر حقب زمنية طويلة، وثانيا من الآباء و/أو الأقارب البرية للأصناف التجارية ذات الأهمية الأعلى غذائيا وثالثا عينات بذور النباتات الطبية والعطرية ورابعا شجيرات رعوية وأعلاف .
إن عملية صون أو حفظ البذورتتضمن سلسلة من المراحل والخطوات العلمية الدقيقة والمعتمدة عالميا، وتبدأ بالتخطيط بناء على الأولويات حسب الأهمية الإقتصادية حاليا ومستقبلا، أو درجة التهديد بالإنقراض في البيئات الطبيعية، أو تهديد الأنواع المستوطنة حصرا بالأردن، ثم جمع العينات النباتية المعشبية ثم البذرية في فصول معينة ثم خفض رطوبة البذور الى درجة معيارية ثم ايداعها في التبريد قصيرالأمد 4 درجات أو طويل الأمد 20 تحت الصفر.
قصة طموح إنشاء بنك البذور الوطني الأردني:
عمل تراكمي عبر عقدين من الزمان يستوجب التقدير لكافة باحثي المركز الوطني البحوث الزراعية، وخلال زيارة لسمو الأمير حسن بن طلال للمركز عام 2019 تم اعادة الحديث عن بنك البذور الوطني، وعليه تم ايفاد خبير النبات ومدير التنوع الحيوي في المركز الدكتور خالد أبو ليلى إلى المملكة المتحدة، للتقصي حول مصير العينات المودعة في بنوك البذور العالمية، وبسبب التحديات التي تواجه الصون الأمثل للموارد الوراثية الوطنية ، تم التنسيق بين الفاعلين والمهتمين بهدا الصدد، ومن الجدير بالذكر والإشادة دور الجامعة الهاشمية صاحبة الفضل في الأستجابة وتمويل إنشاء بنك البذور الوطني بواقع ثلاثة ملايين دينار أردني.
واستجابة للخطة الوطنية للزراعة المستدامة قال وزير الزراعة المهندس خالد حنيفات أننا ملتزمون بتحقيق أهدافها، وأضاف أنه وبخصوص بنك البذورالوطني تم الأنتهاء من التصاميم من قبل شركة هندسية أردنية مرموقة، وعليه سيتم طرح عطاء تنفيذ المباني في شهر أيلول، وشدد على نسب الفضل لأهله بالشكر للجامعة الهاشمية.
هل بمجرد إنشاء البنك الوطني للبذورسنحقق الأمن الغذائي ؟
الجواب لا، لكن هي خطوة أساسية وجوهرية باتجاه السيادة الوطنية على الأصول الجينية للبذور، نحو الإستجابة لتحديات الأمن الغذائي من خلال المحافظة على الآباء البرية المحلية وفي منطقة الهلال الخصيب، والمحافظة على السلالات المحلية الأصيلة، ثانيا الإستفادة من صفاتها المتأقلمة وتطويرها عبر برامج التربية والتحسين الوراثي بالطرق التقنية الأحدث علميا ضمن مختبرات خاصة التابع لبنك البذور ثالثا امداد المزارعين بالبذور المحلية الأصيلة والمحسنة والتوسع بالإنتاج الزراعي وهو الهدف الأستراتيجي باتجاه الأمن الغذائي.
مكمن أهمية أعلاهِ كاستجابة للمتغيرات السياسية والحقائق العلمية والظروف المناخية:
سياسيا : حال انقطاع سلاسل التوريد لمدد طويلة بسبب جائحة وبائية أوحرب في مكان ما، تلجأ الدولة إلى إكثارالسلالات المحلية والتوسع في زراعتها واستخدامها كمصدر جيني حيوي ومستدام لرفد الأمداد بالأصناف المقاومة والمنتجة، من أجل الصمود أطول فترة ممكنة وتجنب حدوث مجاعات.
علميا: تقليل الإعتماد قدرالإمكان على البذور المستوردة "الهجينة" وذلك باستغلال الموارد المتأقلمة ضمن برامج التحسين الوراثي، لإنتاج أصناف أكثر ملاءمة للظروف المحلية، وبالتالي تقليل من نهج الإعتماد الدائم على المستورد.
مناخيا: تتمتع السلالات المحلية الأصلية في الأردن وفي منطقة الهلال الخصيب عموما، وعبر جيناتها المتأقلمة طبيعيا، وتطورها الطبيعي أو بفعل الإنتخاب الإنساني الطبيعي من المزارع المحلي عبر قرون من الزمان، حيث تتميز بالمقاومة للآفات وتحملها للجفاف وشح المياه وبالتالي يجب المحافظة عليها تطويرها وإكثارها كاستجابة لتحديات نقص المياه والتغير المناخي وهو هدف استراتيجي آخر بالغ الأهمية.
من الصعوبة بمكان اختزال وتبسيط أهمية دور بنك البذورالوطني الأردني في هذه السطور، فالبنك المنشود هوبنك بحثي يرفد صون الموروث النباتي، ويتضمن نظام توثيق دقيق ومحدث، ومرتبط بالبنوك الوراثية العالمية تمكن من تبادل الموارد بين الدول ضمن اتفاقيات وأطر قانونية معتمدة دوليا، ومختبرات حفظ الأنسجة، وغرف تجميد بالنيتروجين السائل، ومعهد تطوير ودراسات وتبادل خبرات مع دول الإقليم والعالم، وخير مكان للتشبيك مع وزارة الزراعة، وتعزيز دورها كوزارة سيادية لا بل كوزارة أمن قومي.
المشروع ايضا هو تعزيز للشراكة بين القطاع العام والخاص والجامعات ومؤسسات البحث العلمي والدعم الملكي، هذه توليفة صالحة جدا للنهوض بوطن، حيث تكاملت الجهود بين الديوان الملكي عبر أحتضان توقيع الإتفاقية بين الأطراف، ومتابعة من وزارة الزراعة ممثلة بوزيرها المهندس خالد حنيفات، وكلية سمو الأميرحسن للأراضي الجافة، والجامعة الهاشمية الرائدة صاحبة التبرع بالتمويل الكامل لإنجاز هذا الصرح الهام وبإشراف فني على المشروع وإدراة مستقبلية من قبل الذراع العلمي لوزارة الزراعة المركز الوطني للبحوث الزراعية NARC