مررنا على قرية بير أبو العلق، في طريق عودتنا من البترا إلى عمّان، صدقي الفقهاء، وأسامة الرنتيسي، وأسامة تليلان وأنا، بعد مشاركتنا في البرنامج الثقافي «سلسلة إشهار كتب وروايات» الذي قرره المبدع الدكتور سليمان الفرجات رئيس سلطة إقليم البترا، «من أجل تفعيل الحراك الثقافي في المنطقة».
وقد راعنا ما وقفنا عليه في بير أبو العلق صباح يوم الأربعاء 29 حزيران عام 2022 !!
في العام 1966 عملت معلما منفردا في مدرسة بير أبو العلق، جارة البترا، وكنت ذكرت في الصفحة 118 من كتابي «من الكسارة إلى الوزارة»، ذكرياتي عن عملي وحياتي في بير أبو العلق التي احتلت مساحة من عمري وذاكرتي وكفاحي وكتابي، وكانت سببا في تعلقي بالبترا وعشقي للأردن الخلاب.
لقد كرر عليّ الاصدقاء الثلاثة، ما قاله لي عدنان خليل آل خطاب، ممرض قرية بير خداد، عندما زارني قبل 56 عاما في «البير»: والله يا خال لو ربطوا قروداً مكانك، لقطّعتَ جنازيرَها وهربْتَ !!
قلت في الندوة التي عقدها منتدى الرواد الكبار، مساء يوم السبت 14 أيار هذا العام، إن بلادنا قوية عملاقة جبارة، فالبلد التي تبني مدرسة في قرية نائية عام 1966، من أجل تعليم 10 طلاب، وتخصص لهم معلما، وتزودهم بالكتب والمواد الغذائية هي بلاد عملاقة جبارة.
وقلت إن المعلمين الأردنيين، الذين دخلوا تلك القرى، في تلك الظروف القاسية، قبل الطريق والكهرباء والماء والهاتف والعيادة والسيارة والحافلة، هم ابناء وطن رواد جبابرة.
وثمة كفاح المعلمات الأردنيات الباسلات، في تلك الظروف البدائية، التي بالكاد تحمّل المعلمون قسوتها،
وقد ذكرت مأثرة المعلمة نجوى النجدي (الصفحة 120 من كتابي) التي تعيّنَتْ، معلمةً منفردةً في إحدى القرى، فلاحظَتْ أنَّ عدداً من طالباتها لا يتوقّفْن عن الحَكّ، ولما تفقّـدَتْ شعورهن وجدَتْ فيها قملاً.
استدعت نجوى الأمهات إلى المدرسة، وتوقّفت أسبوعاً عن التدريس.
اشترت صابوناً وحمّمت الطالبات هي والأمهات، فتمكّنت من تطبيق شعار النظافة من الإيمان، الذي كان درساً نظرياً وعظياً في بطون الكتب المدرسية.