والله "أبو علي" ما قدر عليها
عبدالناصر هياجنه
=====
قابلت مواطناً بالصدفة في الشارع العام في ذروة أزمة مواصلات عمّان التي صارت مزمنةً وعلى مدار الساعة وفي كل مكان حتى باتت تقتل في الإنسان الرغبة في الخروج لأي سببٍ مهما كان طارئاً أو ترفيهياً، فأوقفت السيارة وطلبت منه الركوب حمايةً لهم من شمسٍ لا ترحم، وكرامةً له كأنسانٍ. ولمّا صعد سألته عن وجهته فقال لي "ع دوار صويلح، بدي أرتشب من هناك لاربد" فعرفت أنه "إربداوي" اسمه "أبو محمد" جاء لمتابعة معاملة تأمين صحي لابنته في عمّان بعد أن تعثر انجازها في "إربد". وتعمدت السير بسرعةٍ أقل حتى من تلك السرعة التي يفرضها الازدحام و"الخربطة" غير المبررة من السواقين "المعذورين بطبيعة الحال" من سوء تصميم الشارع الأبرز في عمّان، فلا مسارب محددة على الطريق ولا مواقف محددة لحافلات النقل العام، أو سيارات التكسي، وحفريات في كل مكانٍ واتجاه. فسألني الرجل، شو صاير بعمان؟ ليش صايرة هيتش؟. فقلت له منذ متى لم تأت إلى عمّان، فقال "من لما تقاعدت سنة التسعة وثمانين". فسألته: كيف كانت عمان لما تقاعدت سنة التسعة وثمانين ؟ فأجاب "كانت عروس، حلوة ونظيفة وما فيها كل هالسيارات؟ وكانوا ناسها مثلنا يعني لما تيجي عليها ما بتحسش حالك طالع من إربد!.
سألته شو بتشغل يا عم؟ وإلاّ التقاعد مكفيّك؟
فتنهد وقال منكراً: مكفّي!! تلبيس طواقي يا عمي، لكن عندي عشر خرفان بربيّ فيهن وعالعيد الكبير بدي أبيعهن, والله بيسر.
فسألته، خلصت معاملتك يا حج؟ فأجاب، يا ريت، طلبوا اجيب ورقة من "المختار" عشان البنت بعدها عندي وما أجا نصيبها، والمختار مات من ثلاثة تشهر وبعدهم ما حطوا مختار!!
سألته : طيّب، شو الحل هسع؟ فأجاب: لمن يحطوا مختار بخليه يعمل لي الورقة وبعين الله على طلعة ثانية لعمان!
بعدها ساد صمت بانتظار انفراج عقدة مرروية مزمنة اسمهما دوار المدينة الرياضية، فأردت أن أغيّر قصة المختار، فقلت للحج أبو محمد، شايف يا أبو محمد هاظا الشارع،، بدهم يعملوا طريق بالنص، بس للباصات السريعة عشان تنحل الأزمة! فانتفض "أبو محمد، وعدّل من جلسته ناظراً من النافذة على اليمين، على اليسار؟ إلى سقف السيارة، تحت المقعد، وقال: وين بدهم يسوا طريق الباصات؟
فقلت له "بالنص" فنظر إلى ما بين كرسيّه وكرسيّ السائق وقال هون؟
فقلت له "يا عمي بنص الشارع اللي احنا بيه!"
فصار يحكي شغالات ما فهمتها، بس سمعت آخر ما قاله أبو محمد: "....والله أبو علي ما قدر عليها!، لكن كلشي بيصير"!
وحاولت أن أعرف مين "أبو علي"، ولكن الحاج أبو محمد قال، التشذب مش مليح،، لكن شو بدنا بسيرة الناس هسع!
اقتربنا من دوار صويلح، وأنا أحاول أن أرصد ردود أفعال "أبو محمد" وملامح وجهه الطيّب!
وقال لي: شايف "الباص لسود اللي عليه عَلَم"، نزلني عنده يا عمي، وشكراً إلك ما قصرّت!
فقلت له يا عمي، بس يحطوا مختار وتجيب الورقة اللي طلبوها،اتصل بي على هظا الرقم (..........) عشان آجي اجيبك من اربد وارّجعك!
فسكت "أبو محمد" وقال لا يا عمي، لا تيجي تجيبني ولا توديني، ولا اني بدي اجي مرة ثانية، الرزق على الله! لكن بالله عليك يا عمي، بس يسوا طريق الباصات اللي حتشيت عنه تتصل فيه على هالرقم (........) وتخبرني!
فسألته لويش بدك تعرف؟
قال – كمن يبدو واثقاً من كسب التحدي- :عشان أذبح العشر خرفان وأوزّع لحم ع كل القرية!!
نزلَ "أبو محمد" من السيارة، وركب في "الباص لسود اللي عليه عَلَم"، ثم أطلّ برأسه من النافذة وقال لي وهو يُودعني: والله "أبو علي" ما قدر عليها،، ما بتزبطش معهم يا عمي، والله ما بتزبط!