حسن محمد الزبن - بداية في الدستور الأردني المادة (10) تقول للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها الا في الاحوال المبينة في القانون، وبالكيفية المنصوص عليها فيه .
والعادات والتقاليد والقيم لدى المجتمع الأردني، كما هي تقاليد إجتماعية نتشارك بها مع شعوب ومجتمعات عربية أخرى في الإرث والأصالة والعرف، وتعبرعن الجانب الإيجابي في مجتمعنا العربي الأصيل، وهي لا تقل عن أهمية عن القوانين في الدستور وقانون العقوبات الأردني اللذين نحترمهما، ونحترم التطبيق بمضمونهما على كافة شرائح المجتمع، غنينا وفقيرنا، صغيرنا وكبيرنا، شبابنا وشيبنا، رجل أو امرأة، والكل متمسك بهذه القوانين بقدر تمسكه بالعادات والتقاليد والقيم المتوارثة والتي يفتخر بها.
وما يميزنا أننا نولي حماية البيت والحفاظ على قداسته بشكل لافت ، أن العرف عند العرب قبل الإسلام يعطيه أهمية عظيمة، وجاء الدين الحنيف وعزز هذا الاهتمام ودعا لرعايته وعدم الإعتداء عليه.
كما أن العرف ضامن لحماية البيت ولمن فيه من بشر ومتاع, إذا لا يحق للرجل أن يلحق غريمه داخل حرمة بيت آخر ويضربه, كما لا يحق للرجل أن يضرب أحد أبنائه أو زوجته داخل بيت أحد وإلا كلفه ذلك دفع ثمن انتهاك حرمة البيت.
وإن كان دخول البيت لأرتكاب فاحشة مع امرأة، فيعاقب من يدخل بغرامة لانتهاكه سلامته وتدنيسه حرمتة ، حتى لو دخل بموافقة المرأة، فيطالب صاحب البيت إن كان لزوج أو غيره بحق البيت, بينما يقوم أهل الأنثى بتحمل مسؤولية عيبها.
أما في حالة الخلاف بين رجلان مثلا، وآل الأمر إلى الشتيمة واللعان وحتى الضرب داخل بيت رجل آخر مضيف لهما؛ فحق له أن يغرمهما، لهذا نجد أن أي شخص يكون بهذا الموقف يحجم الرد على إهانة وجهت إليه, بل يطالب البيت بإعطائه حقه، وهو بدوره يجبر المخطئ على دفع الحق, فصاحب البيت وراعيه ملزم بأخذ الحق لمن أهين في بيته، وبمقدوره مطالبة المعتدي وإجباره على دفع حق إهانة الرجل، وحق انتهاك حرمة البيت، ونجد في العرف أن الناس في الديوان العربي تلتزك بدفع حق لأحد الناس إذا أهين في ديوانها مهما كلفها الأمر.
وتتفاوت أحكام القضاة بشأن حرمة البيت، وذلك على حسب خطورة القضية أو الأضرار الناجمة عن الاعتداء, والمنشد هو المخول في إصدار حكم ضد من اعتدى على رجل بالضرب في بيته, وقد يصل ثمن الخطوة التي خطاها وهو قاصد البيت بشاة أو بعير زد على ذلك دخول البيت والخروج منه، ويطالب المعتدي الذي أخل بحرمة البيت بكسوته بالقماش الأبيض, ويضاف إلى ذلك حقوق عديدة تترتب على الجاني منها ما سببه من ترويع للأطفال وإزعاج للجار, لذا لا نستغرب إذا ما رأينا أحدهم يحجم عن اللحاق بضاربه أو قاتل أخيه حين يدخل أحد البيوت لعظم حق ذلك، حيث يفوت في أحيان كثيرة دية الرجل المقتول, وتجب مراعاة حرمة البيت حتى لو كان صاحبه غائبا.
وشرع الدين الإسلامي أخلاقا وآدابا لها غلاقة بدخول البيوت والمكوث فيها لما في ذلك من منع للتهمة والخلطة والخلوة وما يمكن أن يجلب العداوات أو يجلب المعاصي وهذا يتمثل في قوله تعالى من سورة النور(( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ , فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ , ليْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا ))، وجاء في الآداب التي علمنا إياها الرسول الكريم استحباب أخذ الإذن بالدخول، حيث جاء في حديث ابي موسى أنه استأذن على عمر ثلاثا فلم يؤذن له فانصرف , فطلبوه فوجدوه قد ذهب , فلما جاء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا استأذن احدكم ثلاثا فلم يؤذن له فلينصرف " متفق عليه.
وأخرج مالك في الموطا أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :" أاستأذن على أمي ؟ فقال له " نعم أتحب أن تراها عريانة ؟ فقال لا , قال :" فاستأذن عليها " , وروى الطبري عن طاووس قال : ما من امرأة أكره الاطلاع على عوراتها من ذات محرم.
وفي حالة فراغ البيوت من أهلها فقال :" فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ " أي إن لم تجدوا في بيوت غيركم أحدا يأذن لكم، فلا تدخلوها حتى يأذن لكم صاحب الدار، فالمانع من الدخول ليس الاطلاع على العورات فقط ، بل وعلى ما يخفيه الناس عادة.
وبيّن اللّه تعالى حكم البيوت غير المسكونة، فقال" ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ )، أي لا إثم ولا حرج عليكم من الدخول إلى بيوت لا تستعمل للسكنى الخاصة، كالفنادق وحوانيت التجار والحمامات العامة ونحوها من الأماكن العامة، إذا كان لكم فيها مصلحة أو انتفاع كالمبيت فيها، وإيواء الأمتعة، والمعاملة بيعا وشراء وغيرهما، والاغتسال، ونحو ذلك.
فبيت وصفي التل هو معلم وطني ويجب الحفاظ على أسراره وحماية خصوصيته لما فيه من مقتنيات خاصة كان يستعملها شهيد الوطن وصفي التل رحمه الله، وعلى الجهة الراعية لهذا البيت أن تلتزم بوضع حارسا أو موظفا يكون تحت إدارتها، تقع عليها مسؤولية دخول الزوار لبيت وصفي من المواطنين والباحثيين والأكاديميين، وحتى إذا كان سيتم الانتفاع من المكان في أي عمل ثقافي أو فني، فيجب عدم المساس بحرمة وكرامة البيت، أو أن يساء له بأي شكل كان، فهو أمر مرفوض ويجب عدم العبث بمقتنياته أو استعمالها، ويكفي النظر إليها والتأمل للإستدلال على بساطة الراحل وصفي التل الذي يعتبر رمزا وطنيا.
وقد رأى البعض أن هذه البيوت: بيوت ذي الإذن العام لجميع الناس، فهي بيوت مختصة بأن فيها إذناً عاماً لجميع الناس؛ كبيت الحاكم والعالم والكريم الذي يدخله عامة الناس بلا إذن خاص، ونحن مع ذلك، ولكن كما قلنا بأدب واحترام، وعدم المساس بمقتنيات المعلم أو البيت.
حمى الله الأردن وأهله،
حمى الله بيوت الأردنيين،