مكرم أحمد الطراونة - من الطبيعي أن تزيد نسبة الفقر، ليس أردنيا فقط، وإنما في العالم أجمع إثر ما نشهد من انتكاسات اقتصادية كانت نتيجة حتمية لجائحة كورونا، وما تبعها من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وهذا ما تؤكده تقارير دولية. أي إن الزيادة في نسبة الفقر ليست حكرا أردنيا.
لكن لا يعني الإقرار بهذه المعادلة أن تقف الدول مكتوفة الأيدي، دون خلق مناخات معينة للحيلولة دون تفاقم الوضع المعيشي للناس، خصوصا وأن الجميع يقفون مكتوفي الأيدي مع مؤشرات الزيادة المطردة في أسعار المواد الغذائية، والتي يتوقع البنك الدولي أن تزيد عدد الفقراء في العام بنحو 23 مليون شخص إضافيين.
التقرير الدولي يتحدث عن ضياع مكاسب عدة سنوات من جهود الحد من الفقر. وبعبارة أخرى، مقابل كل زيادة قدرها 1 % في أسعار المواد الغذائية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قد يصبح نحو نصف مليون شخص إضافي في عداد الفقراء في المنطقة.
هذا الأمر يستدعي أردنيا، إلى جانب العمل على زيادة وتيرة النمو الاقتصادي، إعادة النظر في إستراتيجية مكافحة الفقر، خصوصا وأن آخر إستراتيجية مطبقة لهذه الغاية تعود إلى العام 2002، وهي تعرف بإستراتيجية “مكافحة الفقر من أجل أردن أقوى”. صحيح أنه تبعها إعداد الإستراتيجية الوطنية للحد من الفقر للأعوام بين 2013 و2020، إلا أنّها لم تعتمد رسميا من قبل مجلس الوزراء ولم يتم الأخذ بها!
لا بد من إعادة النظر في السياسات الحكومية الخاصة بإدارة ملف الحد من الفقر، وذلك من خلال خلق مجالات وفرص ليس هدفها فقط حماية الفقراء، وإنما دفعهم إلى التوجه نحو المشاريع الصغيرة وتقديم الدعم المالي واللوجستي لهم.
نعلم جيدا أن الأردنيين، وللأسف، غير قادرين على التخلص من فكرة البحث عن العمل في القطاع العام، الذي يعاني من ترهل وحمولة زائدة، أو البحث عن فرصة في القطاع الخاص، وهو قطاع في أغلبه لا يعطي رواتب مجزية، خصوصا وأنه يعاني من أوضاع مالية صعبة بعد تأثره بأزمة كورونا.
ومن هذا المنطلق، يجب أن تقوم الحكومة بداية بدراسة حالة الفقر في البلاد، دراسة علمية ودقيقة، قبل أن تتحول الحالة المجتمعية إلى قنبلة قابلة للانفجار، مع تحليل واقع الفقر، وما يحتاجه الفقراء، من أجل مساعدتهم في تحقيق احتياجاتهم، إن لم يكن من أجل إخراجهم من مستنقع الفقر، ومن أجل عدم الغوص في أعماقه أكثر وأكثر.
لا شك أن من الضروري قراءة سياساتنا الاقتصادية، ومعرفة إلى أي قدر تترك أثرا إيجابيا على هذه الطبقة من الناس، وما هي الحلول التي نملكها لتقديمها لهم، بدلا من صندوق المعونة الوطنية، والزكاة، ومؤسسات الإقراض، التي تزيد من أعبائهم المالية، وتدفعهم نحو مزيد من التدهور في الحالة الحياتية والمعيشية.
إن توفير خدمات تعليمية وصحية ونقل، بجودة عالية يجب أن يكون أولوية حكومية كونها تساعد هؤلاء أيضا على تخفيف العبء المالي عن هذه الشريحة.
كل ما نحتاجه، إدراك أن الاستسلام لفكرة حالة الجنون الاقتصادي التي يعيشها العالم لا يكفي أبدا لمواجهة التحديات التي يعيشها الناس، خصوصا الفقراء منهم، مع الجنون الحاصل أيضا في الأسعار، لا ينهي الأزمة. لا بديل عن تحديث إستراتيجية الحد من الفقر، والذهاب بعيدا إلى إستراتيجية لتمكين الفقراء لا حمايتهم فقط.