عليك اخذ موعد آخر..لقد تغير الموعد للضرورة، معلمنا في اجتماع ويعتذر عن مقابلتك الان.
قيلت ببرود وجفاف مع رشة سخرية بسيطة لاضفاء نكهة التشفي والانتقام. .
هكذا فاجأ موظف الاستعلامات مديره السابق الذي احيل الى التقاعد، واقلع بصفة نهائية من الكرسي الوثير باتجاه البيت قبل اسبوع واحد، طأطأ راسه، وأدار ظهره وانقلب الى اهله مصدوما.
اخذ يتصبب عرقا، ويشعر بقشعريره ثم بسخونه وعرق، وقضى ردحا من الوقت بالتناوب بين القشعريرة والعرق الى ان وصل البيت (مو شايف الظو) على ما قال المثل .
هناك في البيت تلقى الضربة الثانية، ما ان وصل خائر القوى مكسوفا حتى وجد الزوجة لامر- سيتضح لاحقا - غاضبه.
قبل ان ينتهي قول السلام عليكم قاطعته... يا زلمه روح شفلك شغله، بلا من قعدة البيت. روح ياخي روح. ثم واصلت فرم البصل، واردفت قائله . اوف شو هذا!؟.
لقد تأثرت هي الاخرى من قرار الاحاله، لقد فقدت الكثير.. كانت عالية النفس وعفريته في ذات الوقت ..تبدو امرأة ذات شأن ووقار. انيقة وتحاول جاهدة الاحتفاظ بما لديها من بقايا جمال يتناثر على صفحة وجهها ويدنو من الزوال، وتستخدم في سبيل ذلك احدث وسائل مكافحة العلامات المتقدمة لشيخوخة الجلد.
لقد اصطنعت لها الوظيفة "الفقيدة" اهمية وتقدير وهيبه، ومكانه اجتماعية تبعا لمكانه الزوج. سائق وولائم وتبادل متواصل للدعوات الستاتية ومجالسةالنواعم. وحظيت باهتمام شعبي واسع.
ظنت البلهاء كما ظن زوجها انها غادرت على هودجها معاقل البيداء الى غير رجعه، ولقد زالت دهشتها من وسائل الحداثة والرفاه عندما وطأءت بنعليها مرارا وتكرارا صالات فنادق ومطاعم الخمسة نجوم. وعندما اعتادت احتلال مقاعد الطيران الاولى في رحلاتها من والى منتجعات كوكب الارض.
كانت والحق يقال تلبي كثير من الطلبات بالغة الاهمية تخص الوظيفة الشاهقة تلك ، ولا تمانع في التوسط لدى الزوج المحال، وكان يروق لها ذلك.وتفعله ببالغ السرور.
منذ اسبوع اخذ يتناقص منسوب الاتصالات، وصل لغاية اللحظة الشيطانية الى النصف ما تسبب بانفعالها، وبتلك العاصفة من الغضب التي ثارت اثناء امساكها برأس البصل بالتزامن مع عودة الزوج .
لقد تسلل رويعي الغنم عبر شقوق العمل، وارتقى سدة القيادة من ثقوب الترهل والفساد. كان لديه سكرتيرة بدينة شمطاء، ومدير مكتب وسيارات ومراسلون وسائقون، وطابعة خاصة ذات عطور، وفي وسط هذه الاجواء العبقة نما جسده وتدلى كرشه، واصبح له ارداف كبيرة واكتاف.
كان بالونا متسلطا يعلو الحال والاحوال، نفخته الوظيفة واخذ يصول ويجول وشايف حاله . ولا يستنظف الحكي مع الناس كما يشاع، ودائما عابس مشغول . كان متكبرا ومتعجرفا، وخصصوا له وفقا لذلك احد المصعدين في الدائرة يمتطيه وحده في الصعود والهبوط.
كان يتعامل بفوقية مع من حوله، حتى مع نائبه الذي حل محلة وجاء لمقابلته اليوم. وطبعا مع موظف الاستعلامات الذي كان ينظر اليه بازدراء، ولم يقل له يوما صباح الخير....وعلى زوجته في بعض الاحيان.. كانت في الواقع تشعر بالاهانة وتسكت لاعتبارات كثيرة على مضض..كان هذا المدير العام السابق فظا غليظ القلب.
في ليله ما فيها قمر كحشوه. ومنع من دخول الدائرة في الاسبوع التالي الا بأذن وموعد مسبق كما ترون.. الموعد في الحقيقة لم يتغير، وليس ثمة اجتماع عند المدير الجديد كما قيل له عندما قاموا باستيقافه على مدخل الدائرة امام كاونتر الاستعلامات.
سقط على غفلة منه، وتهاوى فجأة، وفقد سلطته في لحظه واحدة حتى على المراسل. واصبح الاتصال والتواصل معه من قبل العاملين تواصل غير مرغوب فيه ومراقب حتى.
في الثلاثة الايام الاولى وردته اتصالات رخوة كالتي تجري في العادة للمجامله بالتهنئة بالسلامه ، وقول كفيت ووفيت. والله يعطيك العافية. وبعدها اصبح معزول في البيت. وتلفونه لا يرن. ولا يجد من يقول له مرحبا. وسيصبح نسيا منسيا حتى يأتيه عزريين.
هذه واحده..اما الثانية فأن الرجل لم يكن عادلا.ونادرا ما يذكر بخير، وكان الى ذلك جبانا ومتملقا لرؤسائة وسادته، وينفذ رغباتهم الصحيح منها والغلط بلا تردد او وجل.
كان يلتف حوله سحيجة ومنافقون والكثير من مسامير الصحن، وجماعتة، وشلته المقربين وكانوا مستنسخين عنه ويسيئون، وكانوا بلالين منفوخة ايضا. واعيدوا مثله مباشرة الى احجامهم الحقيقة. اكلوا هوا .وتشتتوا. واصبحوا بعد عز زائف منبوذين ومحتقرين عند زملائهم.