مكرم أحمد الطراونة - هل تابع رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، وأعضاء فريقه الوزاري ردود أفعال الأردنيين على محطة طارق لمشروع الباص سريع التردد، التي تميزت بتصميم حضاري حديث، وقوبلت بإشادات شعبية قلما شاهدناها منذ سنوات؟
إذا كانت الحكومة قد وقفت على ردود أفعال المواطنين الإيجابية على مواقع التواصل الاجتماعي، فهذا كفيل بأن تستوعب جيدا كم هذا الشعب متعطش لأن يلمس إنجازا على أرض الواقع، مهما كان نوعه، حجمه، أو شكله، ليسارع في التعبير عن فرحته، مشيدا به، وبالقائمين عليه.
الأردني الذي يصفه الكثير من المسؤولين بأنه دائم الرفض والانتقاد، وغارق في السلبية، وغير شاكر لنعم الله، وأنه غير مدرك لحجم الصعوبات التي تواجه الدولة جراء التطورات العالمية، وأنه متطلب، لم يتردد في الثناء على هذا المشروع، ليس لأنه مستفيد منه فقط، بل لأنه جهد وطني طال انتظاره، جهد يستحق الشكر والإشادة.
هل تدرك الحكومة اليوم أن مغادرة المواطن الأردني لحالة رفض كل شيء، والتي عانينا منها طيلة السنوات الماضية، تبدأ بإقناعه أن هناك من يعمل بجد وبإخلاص، ويحاول تذليل الصعوبات والتحديات، من أجل أن يسهم في تنمية الوطن وخدمة المواطن. الناس لا يطلبون المعجزات، فكل ما يحتاجونه مسؤولون أمناء على مستقبل البلد، وينهضون به بمسؤولية وإخلاص، فالانتماء لهذا البلد يبدأ بالغيرة عليه، وبالرغبة الملحة لأن يكون متقدما ومتطورا، وليس متأخرا عن غيره، ويتعثر في أي مشروع مهما كان بسيطا. هؤلاء يبحثون عن وطن يملأ قلوبهم بالفرح، ويأمنون فيه على مستقبل أبنائهم.
لطالما قلنا إن الناس لن تكترث لقيمة الضريبة التي تدفعها، أو لحالة الغلاء التي تنهش جيوبهم جراء ارتفاع الأسعار، ما دامت هناك خدمات بجودة عالية تقدم لهم، في النقل والصحة والتعليم.
المعادلة بسيطة ولا تحتاج لعباقرة لإيجاد حل لها، بقدر ما هي بحاجة لمن يحللها، ويفهمها؛ فقط أعطوا الناس بعض الشيء، لتأخذوا منهم الغالي والنفيس في سبيل وطنهم!
على الحكومة أن تعي جيدا، أن هذا المشروع لن يغني الناس أو يفقرهم، ولن يوقف نزيف الأموال من جيوبهم باتجاه ضرائب ورسوم، ولن يحقق لهم طفرة اقتصادية، ومعيشية، ومع كل ذلك لم يتوانوا عن بث الروح الإيجابية بعد الكشف عنه. هل تحتاج الحكومة من أجل دراسة الحالة إلى خبراء في علم النفس والاجتماع والاقتصاد، أم أن الأمر واضح لديها، ولا داعي لتفسيره.
باختصار، أكرر ما جاء في بداية المقال؛ هناك عطش للإنجاز. فحب الوطن يبدأ بالإنجاز لا بالشعارات، والخطط نجاحها يكون بدراسة الأولويات والإمكانيات، لا بتضخيم الطموح، والآمال، والعمل لا يكون عملا من دون جهد يبذل وعطاء لا ينضب، وقبول الناس لأي حكومة لا يكون بمؤتمرات صحفية هدفها بث التخدير والتسويف، وإنما بمشاهدة مسؤولين ينخرطون مع الشارع، ويستمعون للناس، ويقدمون لهم خطابا متوازنا؛ عاقلا ومعقولا ومنطقيا.
ما يمر به الأردن ليس سهلا، ويكفي كل أردني فخرا بأن هذه الدولة بإمكانياتها المحدودة جدا استطاعت تجاوز أزمة صحية عالمية عاثت في اقتصاديات الدول، وأنهكت قواها. ولنزداد فخرا بهذا البلد لا بد من السير قدما بما خطط له من إصلاح في محاوره الثلاثة؛ قولا وفعلا، وهذه أكبر هدية يمكن أن تقدم لهذا الشعب الذي يكبر جرحه يوما بعد يوم، بانتظار من يداويه.