بات المواطن الأردني أمام إجراءات تقشفية عنيفة، يواجه سياسات "نيوليبرالية" مستوردة من الغرب لا ترحم فقيراً ولا تسد معدة جائع وتنتصر فقط للأثرياء.
بات أمام حكومات فاشلة تفضل الحجر على البشر. حكومات تلعب دور السمسار لا المنظم، دور التاجر الجشع لا دور موفر السلع والخدمات بأسعار مقبولة لدى الأفراد، حكومات تراعي مشاعر وقرارات وإملاءات وشروط صندوق النقد والبنك الدوليين والدائنين وأصحاب السندات الخارجية أكثر من مراعاتها مشاعر وأحاسيس ومصالح وظروف مواطنيها خاصة من الطبقات الفقيرة.
حكومات تفضل بناء العقارات والأبراج السكنية الفاخرة والكباري على المستشفيات والمدارس والمصانع وشبكات المياه والصرف الصحي، تهتم بالقطاعات الريعية والخدمات سريعة الربح أكثر من اهتمامها بالتعليم والصحة العامة والبحث العلمي والتصنيع والزراعة .
خلال السنوات و الشهور الأخيرة، بات المواطن الأردني أمام ضغوط اقتصادية ومعيشية عنيفة وضائقات مالية لا قبل له بها، وقفزات متواصلة في أسعار السلع والخدمات، قفزات لا ترحم الطبقة الوسطى ، فما بالنا بالطبقات الفقيرة والكادحة والمعدمة التي لا تملك من حطام الدنيا سوى الستر ؟
بات هذا المواطن المغلوب على أمره أمام تكلفة خدمات حكومية لا تُطاق، وزيادات متواصلة في كل شيء، بداية من رسوم المدارس والجامعات وتراخيص المرور والمخالفات واستخراج شهادات الميلاد وجواز السفر وغيرها، ونهاية برسوم تصاريح الدفن والطلاق .
قفزات في أسعار الوقود بكل أنواعه، سواء بنزين أو غاز طهي أو سولار أو كاز حتى في ذروة انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية، بات المواطن أمام فواتير نارية للمياه والكهرباء والإيجارات والمواصلات العامة تفوق القدرة الشرائية للجميع بمن فيهم الطبقة التي كانت مستورة في يوم ما.
ورغم تفاقم الظروف المعيشية وتفشي جائحة كورونا وتراجع الدخول وتآكل المدخرات، يقع المواطن تحت قرارات حكومية لا ترحم أحدا ولا تراعي ظروف الأغلبية، أمام حكومات تفضل سياسة الجباية على زيادة الإنتاج، تفضل سياسة فرض مزيد من الضرائب على أولوية زيادة الصادرات والإنتاج وتنشيط السياحة والاستثمارات الأجنبية وتحويلات المغتربين، تستسهل تطبيق قرارات عنيفة من نوعية خفض دعم السلع الأساسية كالغذاء، أو إزالته من الأصل، على تنمية الاقتصاد وتنشيط قطاعاته.
حكومات تحولت إلى سمسار عقارات وتاجر شره للأموال يهمها تحقيق العوائد والعمولات في المقام الأول، حتى ولو كان ذلك على حساب ملايين الفقراء وتردي مستوى الخدمات العامة بما فيها الصحة والتعليم.
حكومات لا تبذل أي مجهود لتحسين مستوى المواطن المعيشي وكبح جماح الأسعار، بل تفضل استيراد كل شيء، حتى لو كان الثمن هو نزيف احتياطيات البلد من النقد الأجنبي، وتعرقل زراعة السلع الغذائية، سواء أكانت قمحاً أو ذرة أو أرزاً حتى تظل دولها معتمدة على الاستيراد من الخارج، خاصة السلع الأساسية مثل الغذاء والدواء.
حكومات تحصل على ضرائب ورسوم ضخمة وبالمليارات، وفي المقابل لا يشهد الموطن تحسنا في مستواه المعيشي، أو يجد صدى للأموال الضخمة التي يدفعها في شكل ضرائب ورسوم.
حكومات تفضل اغتراف القروض الدولارية من الخارج، حتى لو أدى ذلك إلى ارهاق موازنة الدولة وإيراداتها العامة، ومعها المواطن الذي يتحمل وحده تكلفة عبء سداد هذا الدين، أو رهن مستقبل البلاد الاقتصادي والمالي والسياسي للدائنين الدوليين.
ما العمل أمام هذا المشهد المعقد بالغ البؤس، ماذا نفعل أمام حكومات باتت تعاقب مواطنيها بزيادة غلاء المعيشة، تنهار أسعار النفط في الأسواق الدولية لأقل من 20 دولارا للبرميل مقابل 120 دولارا في عام 2012 فتسارع تلك الحكومات إلى رفع أسعار الوقود، ترتفع أسعار النفط فتسارع إلى رفع سعر الوقود أيظا ، لا قاعدة اقتصادية معروفة؟
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي