ماهر أبو طير - لقد آن الأوان أن نصحو جميعا، أمام الكارثة التي تهدد استقرار البلد، دون تأويل أو تفسير، أو التركيز على قضايا بديلة، بدلا من الأصلية، وهذه الأصلية تنخر بنية البلد، يوما بعد يوم.
من المؤسف جدا، أن يتراخى الأهالي في مراقبة أبنائهم، في المدرسة والجامعة والشارع، فهم ينجبون ويرمون أولادهم على رصيف القضاء والقدر، وكأن الله عز وجل قال لهم اهملوا واجباتكم، ودعوا اولادكم لتصاريف الايام، وهذا فهم خاطئ للدين، نراه في كل مكان.
الحرب القائمة الآن على البلد لا تتراجع، وهي على صلة بترويج المخدرات، بكل أنواعها الرخيصة والغالية، وخذوا مثلا هذه الارقام لتكون دليلا على ما يجري، حيث بلغ عدد قضايا المخدرات المسجلة في العام 2005، نحو 2041 قضية، فيما وصل الى 20,055 قضية سجلت عام 2020، وخلال عام 2021 وصل عدد القضايا الخاصة 19122 منها 4858 قضية اتجار، و14264 قضية تعاط، كما بلغ عدد المضبوطين في قضايا المخدرات 29 ألف شخص من تجار ومتعاطين، اما العام الحالي 2022، وحتى نهاية شهر 6 فقد تم التعامل مع 8489 قضية مخدرات، منها 2490 قضية تتعلق بالاتجار والترويج، ونحو 6000 قضية تعاط منذ مطلع العام الحالي 2022.
حسنا ما فعله مدير الامن العام يوم امس حين قام بزيارة إدارة مكافحة المخدرات، وقوله إن الاردن يخوض حربا يومية ضد آفة المخدرات ويبذل جهوداً كبيرة ومتواصلة لمواجهتها والقضاء عليها، مشيرا الى ان الحملات الأمنية مستمرة وسيدخل جهاز الامن العام مرحلة عملياتية جديدة للتصدي لتجار ومروجي المخدرات ومداهمتهم، موعزا بإنشاء شعب وأقسام جديدة للإدارة في مناطق المملكة كافة ورفدها بالقوى البشرية والآليات والمعدات الحديثة لزيادة نسب التغطية الأمنية، وتكثيف الجهود العملياتية والاستخبارية لملاحقة المتاجرين بهذه الآفة ومروجيها وتحديد اماكن وجودهم ومداهمتهم، والتوسع في خدمات العلاج لمتعاطي المواد المخدرة ومساعدتهم في الاقلاع عن تلك المواد القاتلة من خلال انشاء مراكز علاج جديدة في شمال وجنوب المملكة تساند عمل مركز العلاج الرئيس في العاصمة.
علينا أن نتحدث هنا بصراحة، فالشفافية في الكلام عن قضايا المخدرات لا تشوه سمعة اللأردن، للأن هذه الكارثة موجودة في كل دول العالم، وهنا لا بد من انشاء شبكة اجتماعية في المدن والقرى والبوادي والمخيمات، لمساعدة جهاز الامن العام، عبر الإدلاء بالمعلومات حول المروجين والمتعاطين، كما ان الاهالي عليهم واجب كبير في حماية أبنائهم، بدلا من هذا التراخي، والإهمال، وترك الأبناء لمؤثرات سيئة، تؤدي لاحقا الى جرائم مركبة ومرعبة.
الحروب التي يتم شنها على الأردن متنوعة، حتى نتحدث بصراحة ايضا، فقد لا نكون أمام حرب جيوش، لكننا امام حروب لتدمير بنية البلد الاجتماعية والاخلاقية، في ظل تراجع اقتصادي، وتفكك اجتماعي، واذا بقينا نتفرج على البلد بهذه الطريقة، فسوف نخسرها، ليس لأنها مجرد جواز سفر، أو ممتلك عقاري، او قطعة ارض، فخسارتنا هنا عظيمة، حين نتفرج على أبنائنا ومستقبلنا تحت التهديد والاختطاف، ولن يكون غريبا بروز ظواهر مرعبة مثل الجرائم الخطيرة.
جهاز الأمن العام، جهاز محترم، يقدم الخدمات بالمعنى الأمني الاجتماعي، ويتعرض الى ضغوط هائلة وكبيرة، والواجب هنا، زيادة الدعم المالي في الحرب على المخدرات، وإطلاق برنامج جديد يدخل عليه أيضا القطاع الخاص من حيث التمويل، لأن الجهاز هنا لا يحارب الترويج فقط، بل يحارب الترويج الذي سيؤدي الى نشوء أجيال مدمنة تقتل وتبتز وتخرب البلد، والعمل هنا يجب ان يكون جماعيا، اذا كان الواحد فينا حريصا على حياته وحياة من يحب واستقرار بلاده.
هذه ليست مناسبة لنثر المواعظ في سماء عمان وشقيقاتها، لكنها مناسبة ان نصحو على حالنا، دون أن نجلد أنفسنا، وأن نقوم جميعا بالتنبيه من هذا الخطر في المساجد والمدارس والجامعات والإعلام، وأن تسترد العائلة دورها، بدلا من إهمالها الأبناء في كل مكان، وأن نتخلى عن حيادنا حين نعرف عن موقع تخزين، أو عن مروج، تحت عنوان يقول “مالي علاقة” وهذا عنوان يعبر عن جهل، خصوصا، إذا تبناه كثيرون، فلا نسأل مستقبلا لماذا تركنا بلادنا لتغرق ونحن نتفرج، وجواب السؤال وقتها معروف، فلم نتصرف بمسؤولية، وكل واحد انتظر الآخر ليتحرك.