الدكتور صبري اربيحات، مثقف وعالم اجتماع، ورجل دولة واكاديمي درس في أكثر من جامعة، تلك صفات قد لا تضيف اليوم شيئا لرجل قطع مع الحياة وزيفها، وانتمى للواقع والبساطة وممارسة الملاحظة الاجتماعية والكتابة والعودة للزراعة، وجرّب سابقا ان يكون له مركز ابحاث، لكنه لا يحترف جلب التمويل، فاغلقه، كما أنه لم يظل مرتبطا بشخص بعينه ممن كان لهم عليه فضل بل اختلف مع البعض وعارض آخر واتفق مع جزء منهم، وهو صاحب رأي علمي وملاحظة اجتماعية ذكية، وينتمي للفقر والفقراء وحديث الزراعة والمحاصيل ونقص الماء ويسامر أهل بلدته حين يأتون إليه، وغالبا ما يدعو الناس لمزرعته ويحتفي بهم ويكرمهم.
فرادة صبري ربيحات باحساسه العميق بقيمة الوجودية كفلسلفة للحياة ونهج، وفي ابتعادة عن كل المباهج الزائفة، والبساطة والاريحية التي توسم بها، وقد يؤخذ عليه احيانا الرغبة بتبسيط الاشياء والافكار، بيد أنه أيضا لا يحب شغل القطاريز والأسياد، فهو يكره التبعية والتابعين.
مؤخرا نشر د. صبري نشر مقطع فيديو وهو يقتاد حماره «فاخر» لإعادته إلى مزرعته التي فر منها للمرة الثالثة خلال عام، محاولا في هذا المثال تاكيد ترسيم الصورة العامة له، وهو الملاحظ الاجتماعي القادر على ربط الاحداث والامثال بحركة المجتمع وبث رسالة مغايرة للبساطة التي قد يرى البعض بها حادثة فرار الحمار «فاخر» نتيجة لتجاهل مالكه وسيده لحاجاته الطبيعية.
سُلطة د. صبري فكّرت بعد حادثة الهرب، بأن تخفف الاعباء عن الحمار فاخر، وتجلب له الراحة، وتقدر احتياجاته، تلك صورة لا تأتي ولا تضرب مثلا إلا من زمن الاقطاع، الذي تلاه ثورات في أوروبا. ولا يقدر على توظيفها في الزمن المعاصر إلا عالم كبير، وشخص مستقل بفكرة، فهي قابلة للـتأويل.
اللافت في قصة هروب الحمار، هو ان د صبري اقتاد الحمار واعاده للمزرعة، وبث تسجيلا لرحلة عودة الحمار، وهو مشهد لا يمكن ان يقوم به وزير سابق او مدير سابق او موظف عام، فلماذا قام د صبري بذلك؟.احسبها جزءا من السخرية من الواقع. وهي عميقه وجريئة في سياق النقد الاجتماعي.
مما كتبه اربيحات على صفحته :»...افكر جيدا بطريقة تخفف من تراكم غضب «فاخر» وسخطه واعتراضه فهو يأكل ولا يعمل وممنوع من مغادرة الحظيرة والاختلاط بابناء جنسه.. او استكمال أدواره ابا وشريكا...من وقت لآخر يضرب حمارنا حوافره بالأرض ويهزّ البوابة الحديدية ويرفض الطعام ويتهيأ للرفس وشق عصا الطاعة»...
تذكرني قصة د صبري اربيحات بقصة شبيهة لرثاء حمار مات، وقام بالرثاء والتعليق كل من الشاعرين ابراهيم المبيضين واياد القطان، وقصتها انه كان للمرحوم محمد الحسين العواد العواملة مزرعة مشتركة مع احد المزارعين، ومن جملة المزرعة حمار قال الشاعر ابراهيم المبيضين عنه: « أنه نفق فجأة في ريعان شبابه وفتوته وفي نعومة حوافرة، وبالبطع حزن الحاج محمد على فقيده فكلفني صديقه سماحه الشيخ ابراهيم القطان برثاء الفقيد العزيز فلم استطع إلا على لسان آل الفقيد، فنظمتها وذهبنا للمرحوم صلاح السحيمات وسماحة الشيخ القطان والمرحوم الشيخ عثمان الشنقيطي وعزينا العمايرة بما يخصهم من الفقيد اي بنصفه، ومطلع القصيدة:
«أبا وجه الكون إلا تجهما
وتأبى عوادي الدهر إلا تهجما
وتأبى ليالي الصفو إلا تصرما
ويأبى زمان الغدر إلا تحكما
مُنينا بفقد الأدغم الفذ فجأة
وكنا نرتجي أن يعيش ويسلما»
جاءت قصيدة الرثاء بالحمار الادغم، لتؤكد امكانية رؤية الحياة بشكل مختلف، وهي بين نخبة من رجال الدولة، وفي الربط بينها وبين قصة هروب الحمار فاخر الذي يملكه د. صبري اربيحات معانٍ كبيرة في الفلسفة الوجودية.