سميح المعايطة - لبنان كان عنوانا للانفتاح وبلد الفن والثقافة والصحافة والسياحة، لكنه كان بلدا بأكثر من هوية سياسية وثقافية وطائفية، وكانت سلطة الدولة وما تزال موزعة بين طوائف لكل منها مرجعية على خريطة العالم، فدخل في حرب أهلية سنوات طويلة لم تكن بدايتها لبنانية داخلية لكنها تطورت بتفاصيلها حتى دمرت المدن وهجرت ملايين اللبنانيين، وحين تدخل العرب كانت سورية تدخل لبنان عسكريا عام 1976 فأصبح لدى فئات من اللبنانيين قضية جديدة وهي التخلص من الوجود السوري وفي الطريق كانت الاغتيالات ومزيدا من التفتيت، وفي كل مرة كان التدخل الدولي طريقا لحل جزء من مشكلة لبنان لكنه يصنع مشكلة أخرى.
لبنان اليوم تغيرت أولوياته، فالدولة لم تعد قائمة حتى وان كان صوت الطوائف والاحزاب موجودا، والدولة عاجزة عن توفير رغيف الخبز للمواطن حتى مع وجود مجلس نواب ورئيس وحكومة وكل هياكل الدولة، وعلى اللبناني ان يقف ساعات طويلة حتى يحصل على ربطة خبز أصبح سعرها في السوق السوداء 30 دولارا.
النموذج اللبناني لم يعد مطلوبا لأحد، فسلاح حزب الله وصواريخه وصور الخميني وسليماني في شوارع بيروت لم تقدم للبناني ربطة خبز حتى لأبناء الضاحية الجنوبية معقل حزب الله وكذلك صور زعماء الاحزاب والطوائف الأخرى لم تمنع الدولة ان تتحول إلى هياكل بلا روح ولم توفر علبة دواء لمريض او علبة حليب لطفل.
قادة الطوائف والاحزاب من كل الأطراف تقاسموا الدولة حتى الوظائف الصغيرة قبل مقاعد البرلمان والوزارات وربما اسماء شوارع بيروت، لكن الدولة تتلاشى حين يتم تقاسمها وتحتاج دائما لتكون كيانا واحدا وقرارا واحدا وعقلا واحدا وإلا لن تكون.
لبنان أنهكه حب العرب والعجم، وكل طرف يريده كما يشاء، لهذا فقد القدرة على ان يكون كما يريد اللبنانيون، واصبحت كل الدول تشارك بصناعة اي قرار فيه لهذا فهو اليوم بلا قرار حرب ولا قرار سلم ولا حتى قرار توفير الكهرباء لبلد كان يسمى سويسرا الشرق.
اللبنانيون شعب لا يستحق ما تعرض ويتعرض له، لكن طوابير الخبز والبنزين اليوم ليست مشكلة اقتصادية فحسب لكنها محصلة مسيرة ساهم فيها الجميع من أصدقاء واشقاء وحتى أحزاب وطوائف لبنان والنتيجة ان الدولة ضاعت حتى وان بقي فيها رئيس وحكومة وبرلمان وبقي فيها تجار السياسة والحروب يتحدثون ويحللون على مدار الساعة حول أوضاع بلادهم.
لبنان نموذج لا يحتذى من اي شعب لأنه فتح أبوابه لأكثر من أب، وتقاسم الدولة بين احزابه وطوائفه كان ثمنه ان اللبناني لا يجد دولته في المخبز ولا عند محول الكهرباء، تلاشت الدولة وبقيت الاحزاب وثرثرة السياسيين، والسعيد من اتعظ بغيره.. حمى الله لبنان وشعبه الكريم، وحمى كل دولة على طريق تكرار نموذج لبنان.