مكرم أحمد الطراونة - وجهان يحملهما حديث وزير الاقتصاد الرقمي والريادة أحمد الهناندة بأن الحكومة تعمل حاليا على تنفيذ مشروع وطني لقياس جاهزية مؤسسات القطاع العام لتبني الذكاء الاصطناعي؛ الأول إيجابي يكمن في أن الحكومة تعمد إلى القياس قبل الشروع بتنفيذ مشروعاتها، وهذا بحد ذاته يعتبر أولى خطوات التخطيط السليم. أما الوجه الثاني فيطرح سؤالا صارخا حول برنامج الحكومة الإلكترونية، وهل بالفعل مؤسساتنا، في زمن التكنولوجيا والعالم الافتراضي، غير مهيأة بعد للانتقال للذكاء الاصطناعي.
لا أحد يمكنه التقليل من أهمية تطبيق أدوات الذكاء الاصطناعي لرفع كفاءة القطاع العام وفق معايير تقييمية للمؤسسات التي ذكرها الوزير الهناندة، وهي البيانات وجاهزيتها وتكاملها، ومهارات الموظفين، والبنية التحتية الرقمية المعنية بتطبيق الذكاء الاصطناعي، وأخيرا السياسات والعمليات المؤسسية.
مقالي هنا، يندرج تحت بند الإيمان المطلق بقدرات الدولة؛ مؤسسات ومسؤولين وشعبا، وليس من باب النقد وجلد الذات، لسبب واحد يتمثل في أن ما مضى لا يمكن استرجاعه، وإنما يمكن الاستفادة منه والتعلم من الأخطاء التي حصلت وقتها من أجل عدم الوقوع بها أو بمثلها من جديد.
الذكاء الاصطناعي يعد عمودا أساسيا في مفهوم التحول الرقمي الذي تأخرنا في إنجازه باعتراف جميع الحكومات، رغم أننا بدأنا فيه منذ أكثر من 17 سنة، ومر في عهدة 16 حكومة، لكن دون تقدم ملموس، حتى أن آخر الأرقام تشير إلى أن 437 خدمة حكومية، فقط، هي إلكترونية اليوم، رغم أنها ليست إلكترونية بشكل كامل، وهي نسبة تشكل 18 % من إجمالي عدد الخدمات الحكومية في كل المؤسسات والبالغ عددها 2460 خدمة.
اليوم هناك أكثر من 10 ملايين مستخدم للإنترنت في الأردن، لا يمكنهم إجراء معاملاتهم إلكترونيا إلا بحدود بسيطة، فيما التكنولوجيا في تسارع كبير، ويجب ملاحقتها وتبنيها أولا بأول، وقد شاهدنا منذ أيام توقيع اتفاقيات الجيل الخامس، الذي من شأنه أن يدعم عملية التحول الرقمي لما يتمتع بسرعات عالية، رغم أن هذا المشروع أيضا متأخر، حيث سبقتنا إليه 9 دول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
في المقابل، تتسابق الدول نحو تقنية «الميتافيرس»، وهو مصطلح لوصف العالم الرقمي الذي يمكن أن يتفاعل معه المستخدمون في بيئة ثلاثية الأبعاد، وستكون بهذه التقنية تأثيرات هائلة على العالم الرقمي في السنوات المقبلة، وقد تأخرنا فيها أيضا، ولا نعلم إن كانت الحكومة ناقشتها أو تسعى لتبني هذه التقنية، التي سبقتنا إليها مؤخرا الإمارات الشقيقة.
17 عاما من عمر الدولة خسرناها في محاولة إنجاز الحكومة إلإلكترونية، حتى وصلنا إلى مرحلة نسعى فيها لقياس قدرتنا على تطبيق الذكاء الاصطناعي، فيما العالم سبقنا بخطوات كبيرة في العالم الافتراضي. لا بأس في ذلك إن كنا جادين ومستعدين وقادرين ومصممين حقا على عدم خسارة سنوات جديدة في السعي نحو أهداف نملك العزم لتحقيقها كالذكاء الاصطناعي.
من جديد، حديث الهناندة عن دراسة الواقع قبل سبر أغواره، مطمئنة ومريحة، وتنم عن إدراك الحكومة أن القياس قبل التنفيذ أهم خطوات الإنجاز الحقيقي، في محاولة لمواكبة التقدم الحاصل في العالم.
علينا إدراك أن الجيل القادم هو جيل العالم الافتراضي، ولا بد من تهيئة جميع مناحي الحياة له، سواء في التعليم، أو القطاع الطبي، أو الخدمي، وهذا جزء مهم في منظومة تطوير القطاع العام التي أطلقتها الحكومة مؤخرا، والتي لا خيار أمامنا فيها إلا النجاح.