زاد الاردن الاخباري -
كتب بسام بدارين - يختطف الإسرائيليون فجأة المسافرين «الفلسطينيين» إلى تركيا عبر ترتيب جديد له علاقة بمطار رامون الإسرائيلي قرب إيلات بكتف مدينة العقبة ومطارها القديم.
لاحقاً، تلمح مصادر في الحكومة الأردنية لمظاهر تواطؤ في السلطة الفلسطينية مع هذا السيناريو، فينتج خلل مربك له علاقة بملف الجسور والمعابر. وهنا تعلن مكاتب سياحية في رام الله منذ أربعة أسابيع عن رحلات جديدة لتركيا عبر مطار رامون، فيما تبلغ الجهات المختصة في السلطة الجانب الأردني بعد الاستفسار بأن «الهيئة المختصة بالنقل» في السلطة لم توافق بعد على «العرض الإسرائيلي» الذي يخص -حسب شروحات السلطة- «فلسطينيي عام 1948» وليس أبناء الضفة الغربية.
عبث اليمين الإسرائيلي
الأهم أن السلطة تقترح «مطار قلنديا» بدلاً من رامون في سياق «تخدير» الخسائر الأردنية هنا، وهي مالية وسياحية واقتصادية أولاً، و»استراتيجية وسياسية» ثانياً.
لاحقاً، عبث اليمين الإسرائيلي بورقة «الجسور والمعابر»، وعندما يتعلق الأمر بملف الوصاية الهاشمية الأردنية على المسجد الأقصى وأوقاف القدس وتكديس الارتباكات مرة تلو الأخرى، وصلاة تلمودية على بوابة المسجد الأقصى بعد أيام فقط من استقبال يائير لبيد في عمان برفقة كل مؤشرات «تجاهل احتياجات ومتطلبات» صمود «الوصاية». وهنا يلاحظ رئيس وزراء سابق تحدث مع «القدس العربي»: «يختطف الإسرائيليون أيضاً وبجهد واضح ملامح المناورة الأردنية وهوامشها في البعد المتعلق بملف المسجد الأقصى». ويحصل ذلك دون أن يستفيد الطرف الفلسطيني، وفيما تزيد وتيرة الأصوات لسياسيين ومسؤولين في عمان تحت لافتة «عبء الوصاية ومشكلاتها الواقعية»، وهو ملف يحتاج -برأي المحلل السياسي الدكتور عامر سبايلة- إلى «مراجعة حقيقية» لإعادة ترسيم هوامش المصالح الأردنية.
الأكثر حساسية ودقة هو ما يتردد في أروقة الموظفين الأردنيين عن شعور عام بالإرهاق جراء حضانة الدولة الأردنية لملف القدس والمسجد الأقصى المتعب جداً، حيث يصر الشريك الإسرائيلي على اقتصار الوصاية الأردنية-على حد تعبير قيادي بارز في الحركة الإسلامية المحلية- على مسار تنظيم الوضوء دون الموافقة لا على كاميرات بسيطرة أردنية ولا على تعزيز حراسات الأوقاف الأردنية ودون أي إجراء من حكومة تل أبيب تحت عنوان ضبط إيقاع التلموديين المتطرفين الذين يمارسون يومياً الاختراق تلو الآخر بخصوص تنظيم الصلاة والدخول والخروج إلى الحرم المقدسي والمسجد الأقصى.
كل تلك تطورات حادة في ملف القضية الفلسطينية تؤثر على وزن الأردن وقيمته الاستراتيجية، لا بل بصورة أكثر جدية على تفاعلاته ومصالحه. والأردن هنا تماماً برأي رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، هو الهدف للإسرائيليين بعد سياقات الاسترسال في «تصفية القضية الفلسطينية».
في الميزان الإقليمي حصراً لا يقف تراجع بوصلة التأثير الأردنية عند هذا الحد، فعمان لا تريد بالرغم من كل الضغوط والمضايقات لمصالحها تلوين أو تغيير صفحتها المتعلقة بالتحدث مع المقاومة الفلسطينية.
والسياسي الدكتور ممدوح العبادي اقترح مؤخراً، في ندوة عامة، مواجهة التحديات المفصلية اقتصادياً وداخلياً بـ»تنويع الخيارات» التحالفية إقليمياً، معتبراً أن تلك «مقاربة أساسية اليوم» كما شرح لاحقاً لـ»القدس العربي»، رافعاً تلك العبارة التي تقول «صحيح نحن بلا أعداء اليوم، لكن بدون أصدقاء أيضاً».
قالها العبادي بوضوح أكثر: لا بد من التأكيد على ذلك الارتباط الأزلي والفيزيائي في الواقع بين عناصر المنعة الداخلية، وبالتالي احتياجات ومتطلبات توحيد وتمتين وتصليب الجبهة الداخلية، وبين بناء عناصر أساسية تتسق مع المصالح العليا والفرعية عند بناء استراتيجية فعالة مرتبطة بحزمة المصالح الخارجية.
كلام فيه كثير من العمق والتحليل والتشبيك المقصود، ويشغل نخب وصالونات عمان أو ما تبقى منها، لكنه لا يجيب على السؤال المتردد في الأرجاء: كيف تعمل وعلى أي أساس الدبلوماسية الأردنية عندما يتعلق الأمر بميزان المصالح؟
العلاقة مع الخليج
على جبهة موازية علاقات غير منتظمة وغير مرتبة مع النادي الخليجي على الأرجح، وأخرى غير مفيدة وغير منتجة «على الأقل اقتصادياً» مع المصريين ترافقها علاقات «مضطربة للغاية» مع دولة إقليمية كبرى مثل إيران.
وسياق بالتوازي تغيب عنه «الندية» مع دول أساسية في الواجهة الخليجية وتغيب عنها الندية مع عدة دول شقيقة. وفي العراق مشكلة أعمق وأعقد، حيث اللوبي المقرب من إيران ينقض على أي ترتيب أو تفاهم له علاقة بالمصالح الأردنية العراقية المشتركة. ومع تركيا الوضع ليس في سياق تفاعلي جداً، والمشكلات أكثر من التسهيلات. كل تلك الاعتبارات تهمش الدور الأردني إقليمياً.
ومن المرجح عملياً هنا أن الحكومة الأردنية لا تفعل الكثير في سياق المواجهة والاشتباك، لا بل في سياق الحفاظ على الدور.
وحصة النفوذ في مقاربات اليوم أشبه -برأي خبير سياسي واقتصادي من وزن الدكتور محمد الحلايقة- بعملية تطوع وتبرع لـ»تخسيس الوزن»، لا بل أشبه بـ»رجيم سياسي» تخضع له حصة الحضور الأردنية على طاولة الحدث الإقليمي والسياسي، وهو صنف من «الرجيم» مسترسل ويرى فيه كثيرون الآن خطراً على المصالح الحيوية الأردنية في كل السياقات، لا بل يحتاج لتنشيط وإنعاش.
ويزداد الأمر تعقيداً طبعاً مع الأزمة الاقتصادية والمعيشية الحادة ومع هوامش المناورة الضيقة أمام أي استثمارات غير مسيسة، وفي الأثناء يترافق كل ذلك مع قناعة صناع القرار بقواعد لعب جديدة على صعيد «تمتين الجبهة الداخلية» والتمكين الاقتصادي، حيث تتكدس الوثائق والمشاريع هنا، فيما تبقى «أزمة الأدوات» على حالها حتى الآن على الأقل.
القدس العربي – لندن