زاد الاردن الاخباري -
كتب مهدي مبارك عبد الله - مسكين المواطن في كل صباح يستمع الى النشرات والتقارير الاقتصادية ليفهم من دون جدوى ألغاز الاقتصاد الأردني ومفرداته التي أعطب بها المسؤولون آذاننا أمثال الميزانية والمشاريع الرأسمالية والتنموية والمبادرات والخطط الطموحة وسبل الإصلاح المالي وسواها من المفردات التي لا يدرك فحواها سوى المتخصصين المعنيين من النخبة.
المواطن الأردني البائس يريد فقط ان يعيش بكفاف قليل وكرامة محترمة في ظل سلطة تهيئ له حياة كريمة وأن يرى جزء من اثار ما يسمى بالإصلاح الاقتصادي ينعكس على مستواه المعيشي وتكاليف الخدمات العامة والخاصة وانخفاض فاتورة المشتقات النفطية الشهرية وفواتير الكهرباء والمياه والسلع الاستهلاكية الأساسية التي ترتفع مع بورصة الذهب وأن يحصل على تعليم مجاني جيد وخدمة طبية لائقة وان يجد عمل و( لا نقول وظيفة ) براتب مقبول.
الحكومات المتعاقبة التي جاءت ورحلت ولم يتبقى منها سوى الذكرى المريرة والقرارات المؤلمة هي المسؤولة الأول وليس المواطن عن الوضع الاقتصادي والمالي المتردي في البلد لأن بيدها زمام الأمور ومقاليدها وهي التي كانت ولا زالت تتبنى الرؤى وتحدد السياسات وتضع المخططات وتجدد الأفكار لمشاريعها في كل القطاعات ومع كل عام كانت تحصد الإخفاقات المتوالية وترحل المشكلات وهي تصرف ببذخ كبير لرفاهية كبار الموظفين من ( رواتب عالية ومكافئات متكررة وحوافز دورية ومكاتب فارهة ومركبات حديثة ) تموّل جميعها من جيب المواطن العادي.
الشعب الاردني بمختلف شرائحه يرفض ان يبقى في وجه المدفع أو أن تلقى خيبات الحكومات على كاهله بسوء إداراتها وتقاعس مسؤوليها وهدرها المالي ثم يطلبون من المواطنين ان يشدوا احزمتهم على بطونهم والتنازل عن شيء من اساسيات معيشتهم ومئات الألوف منهم يئنون تحت طائلة العوز والفقر والديون وأي منهم لو وفر راتبه لعشرات السنين لن يتمكن من شراء شقة متوسطة الحال في منطقة شعبية متهالكة
تذكرون عندما عاش معظم أبناء الوطن حالة متفاقمة من التوجس والخوف قبل وبعد تطبيق سياسات الخصخصة في العديد من القطاعات الاقتصادية الاساسية والحيوية حين كانوا يحذرون من رهن ثروات البلد بيد القطاع الخاص المحلي والدولي والشركات الأجنبية التي سيكون هدفها السيطرة على الأموال والاستحواذ على الشركات والمؤسسات الرابحة وتشغيل الموانئ والمطارات والمجمعات ومزاحمة العمالة الوطنية بعمالة أجنبية رخيصة مع فرض أسعار مرتفعة كرسوم وخدمات.
لقد كان أجدى بالحكومات بكل السابقة والحكومة الحالية الحفاظ على ما تبقى من هيكل عظميي للطبقة الوسطى العريضة في المجتمع وعدم مس استقرارها المالي والمعيشي من خلال سياسة الترشيد وزيادة الرسوم وإلغاء الدعوم فالطبقة البرجوازية لن تتأثر بسياسة التقشف الحكومية وتلقائياً سترفع أرباحها لتعويض خسائرها نتيجة ترشيد الدعم عليها وتقليص المناقصات وستلهب جلد الطبقة الأدنى المضطرة للشراء والتسوق من متاجرها ومعارضها.
في الآونة الأخيرة علت النغمة النشاز للحكومة ومجلسها بمجموعة من التصريحات والقرارات الجديدة ذات التوجه الاقتصادي الرأسمالي النيوليبرالي التي تمس مستوى المعيشة العام للمواطنين وتستهدف تصفية بعض المكتسبات الاجتماعية الشعبية مع زيادة أسعار الكهرباء والطاقة وتقليص بنود الإنفاق الاجتماعي الضرورية وغير ذلك تحت ذريعة تقليل العجز في ميزانية الدولة وهي الحجة الواهية التي تتكرر مع كل حكومة.
لم يعد الواقع الذي نعيشه بحاجة إلى تحليل أو برهان فقد أصبح واضحا للجميع أن هناك هجمة طبقية شرسة هدفها المساس بجيوب الطبقة الوسطى والفئات الشعبية التي تمثل غالبية الشعب الأردني لتعبئة جيوب الرأسماليين الكبار أصحاب المشاريع والشركات والامتيازات وهم الشريحة الأقل في المجتمع (توزيع غير عادل للثروات).
الخطط والمبادرات الحكومية كثيرة ومتشعبة فهنالك على سبيل المثال فقط خطة جديدة طرحتها الحكومة لتطوير القطاع العام اسمها لافت وظاهرها حلو وباطنها مر والمواطن لا زال عاجز عن فهم تفاصيلها وأسباب الدمج التي ستحدث لبعض الوزارات ودواعي استثناء بعض الهيئات المستقلة التي كثير منها أنشئ كشواغر وظيفية لأسماء محددة وغير ذلك كثير من المفارقات العجيبة التي يصعب على الشارع ادراكها في ظل قطاع عام متعثر ومترهل ومشبع بالواسطات والمحسوبيات ومتخم بالموظفين دون وظائف وبالمدراء دون إدارات ناهيك عن سيارات تتحرك بدون عمل واجتماعات تعقد بلا نتائج مثمرة.
الحكومات ومجالسها يحملون المواطن الاردني البسيط مسؤولية فشلها في إدارة اقتصاد البلاد في الوقت الذي نرى ونسمع عن تضخم في الحسابات وتمرير للمناقصات وتخصيص للعطاءات الكبيرة وفضائح للسرقات والنهب والفساد من ثم يريدون أن يتشارك معهم المواطن المنهك الذي لم يعد قادرا على تحمّل أي ضغط بالمسؤولية في ظل توالي مسلسل الفشل المستمر والواقع المر وهو ما دفع بالكثير من الشباب المؤهل للتفكير بالهجرة بسبب الأوضاع والظروف الاقتصادية الصعبة.
والأدهى والأمر من ذلك هو محاولة تغييب المواطنين عن حقوقهم التي كفلها الدستور وهنا أتذكر تصريح أحد الوزراء السابقين حين قال ( الترشيد واجب وطني و شرعي لا بد منه ) مما حدى بوزارة الأوقاف في حينها الى إطلاق حملة في خطب الجمعة بعنوان ( ولا تسرفوا ).
لا أعلم وقتها إذا كانوا شملوا في حملتهم تلك المنح والمكافأة والمياومات للوزراء والنواب وكبار المسؤولين وشراء السيارات باهضه الثمن على غرار سيارة المسؤول التنفيذي الكبير في مؤسسة خدمية عامة كبرى تجاوز سعرها الـ100 ألف دينار جاءت بموافقة حكومية في حين يتجاوز عجز موازنة تلك المؤسسة 200 مليون دينار سنويا احد الخبثاء علق كان من الأجدر تسمية الحملة ( ولا تسرقوا ) لكن يبدو أن الحكومة كانت جادة في الترشيد بـ ( حذفها النقطة من فوق حرف القاف ).
المواطن الأردني دائما كان منتمي ومحب لبلده وهو يتفهم بروح عالية الظروف والتحديات الداخلية والخارجية التي تمر بها البلاد حيث يدفع ضرائب تقدر بـ500 مليون دينار شهريا إي بمعدل 6 مليار دينار سنويا دون أن تنعكس اثارها على مستوى الخدمات الاساسية المقدمة له إضافة لشعوره بعدم العدل في ميزان الخدمات العامة الأمر الذي زاد من عضبه وعدم رضاه وهو ينتظر زوال السحابة والانفراج وانهاء الحالة السياسية والاقتصادية التي هيمنت سلبا على الاردنيين وأسهمت في تردي وتدني مستوى معيشتهم.
حتى اصبح الامل بتغيير واقع معيشة المواطنين ميؤوس منه بل معدوم بعدما بلغ معدل البطالة ذروته ومؤشر الفقر نهايته والدين العام الإجمالي وصل إلى 36.18 مليار دينار ولا زالت الحكومة القائمة تضرب على أوجاع الناس وهي تدير الموارد العامة بأسلوب غير صحيح وتقدم طروحات احادية الجانب وغير متوائمة مع الواقع ولا يمكن الاستفادة منها في تحسين حياة المواطنين المنشودة الذين لا تعرفهم الحكومة إلا في اوقات المصائب ودفع الضرائب.
لا حظوا على سبيل المثال لا الحصر أسعار المشتقات النفطية رفعت دون مبرر حقيقي لا محلي ولا دولي وللمرة الرابعة منذ بداية العام الحالي واسرار التعديلات اللوغاريتمية على فاتورة الكهرباء بعد رفع الدعم اضرت بالكثيرين من الفقراء وذوي الدخل المحدود ناهيك عن الارتفاعِ الصارخ في أسعار كل شيء دون رقابة حكومية وبناء على رغبات ومصالح بعض التجار وهو ما قضى على ما تبقى من جيوب الأردنيين المهترئة اصلا.
يجب ان تفهم الحكومة ومستشاريها ان استمرار هذا الحال سيزيد بلا شك من الاحتقان السياسي والاجتماعي الى درجة مقلقة على الامن والسلم الاهلي وما جرى في أزمة عام 1989 الاقتصادية في زمن حكومة الرفاعي الاب لا زال ماثل امام اعيننا بخشية وحذر شديدين ولهذا لا بد من ضرورة وجود إصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية وملموسة على أرض الواقع تعالج مشاكل المواطنين من خلال حلول واضحة وفعاله قبل الاصطدام بالجدار ووقوع المحذور لا قدر الله ولتكن ظاهرة تونس بكل أبعادها وتفاصيلها درس من الماضي القريب.
في العشرينات من القرن الماضي واثناء الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة ظهر أحد الاعلانات المؤيدة للمرشح الجمهوري آنذاك ( هربرت هوفر ) حمل عنوانا بارزا بالخط العريض يقول ( دجاجة في كل طنجرة ) وذلك للفت انتباه الناخبين لإنجازات الجمهوريين من الناحية الاقتصادية والمعيشية وهو جزء مهم من أسباب فوزهم آنذاك.
الفساد المتجذر الذي نعيشه اليوم أقوى من المؤسسات وليس مقرون فقط بحكومة بشر الخصاونة بل هو نتاج سياسات حكومية متعاقبة منذ أكثر من 15 عام وربما رحيل الحكومة الحالية لن يسهم كثيرا في انقاذ الاردن والاردنيين من جحيم الفقر وما يتبعها من بطالة ومحسوبيات وعدم مصداقية وشفافية رغم ان هذه الحكومة تجاوزت كل المحاذير في عدم فهمها لشعبها حيث أخذت تتحداه في لقمة عيشه وسبل حياته حتى أهلكته فلم يجد وسيلة إلا أن يرفع صوته ضدها وضد رئيسها بعدما استعصى الخلل على الإصلاح لان ( الضلع الأساس معوج ) ولن تقومه الضمادات.
السؤال المطروح امام هذا الواقع المرير متى سيتم تغيير نهج الحكومة الحالية ومحاسبة الحكومات السابقة واستعادة جميع الاموال المنهوبة والممتلكات العامة التي تم سرقتها وخصخصتها وكذلك كيف لنا ان نبني صحافه حره تدعم الشارع وتنقل هموم ومشاكل المواطنين وتظهر الفساد امام الجميع وتعيد الكرامة المهدورة والحرية المقموعة أنفاسها وعافيتها وان تظهر الديموقراطية الحقيقية كصوت مسموع للشعب وإرادته وان تصل العدالة الاجتماعية الى سائر أبناء الشعب بكل شرائحهم ونؤسس لحرية رأي وتعبير مصونة ومسؤولة نريد هذا كله ولو جاعت بطوننا المهم أن تشبع عقولنا وإرادتنا وان نحيا بحرية وعدالة وكرامة ( تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها ).
لقد ان الأوان للتوقف عن التصريحات الحكومية الفارغة والاستفزازية بحق المواطنين بترويج حكايات ومصطلحات كل شيء تمام وتحت السيطرة وان الأزمة عالمية وعدم الخجل عن دعم بعض المواد بـ 3 قروش وقرشين وتعريفه وكفى استهزاء واستهبال للمواطنين وان ابر التخدير لم تعد صالحة فقد أصبح عقولهم لا تستجيب لها في واقع محزن يتحدث عن ان اكثر من 70% من الشعب يقع تحت خط الفقر (350 دينار ماذا تكفي دفع فواتير اكل ملبس مدارس جامعات اجرة بيت قرض شخصي او سيارة تدفئه بنزين مواصلات.....).
الأردنيون قد يصبروا على الفقر والجوع وعدم توزيع ثروات الوطن بعدالة وارتفاع أسعار المحروقات مرارا شريطة ان يكون هنالك افق واضح المعالم نحو مستقبل افضل يرون نتائجه واقعاً وعملاً ولكنهم في المقابل لن يقبلوا مطلقا بيع لحومهم ووطنهم والمتاجرة بهم من اجل ثراء فئة قليلة ( طبقة برجوازية مخملية ) ابا عن جد على حساب مقدرات الوطن بحجة الانفتاح والتقدم وتوفير فرص العمل والاستثمار المزيف لأن كرامة الوطن من كرامة مواطنيه ( أعيش كريماً او أموت كريما ) ولا حصانة لأحد على حساب الشعب الأردني وثرواته ويجب التوقف عن اعتبار الوطن شركة او مزرعة مستباحة للبيع فالوضع خطير والمواطن في ضيق شديد وقد بلغ السيل الزبا.
من هنا يجب احداث ثورة بيضاء سياسية واقتصادية واجتماعية لتخرج البلاد مما هي فيه وهذا لن يتم في رأي البعض الا برحيل الحكومة وحل البرلمان واجراء انتخابات حرة ونزيهة بقانون انتخاب عصري يتوافق عليه كل اطياف المجتمع للوصول الى مجلس نيابي قادر على تحمل المسؤولية ويمثل السواد الاعظم من الناس الذين يرددون في كل صبح ومساء هذا مجلس النواب الحالي لا يمثلنا.
نعم نريد حكومة جديدة وجادة تنتهج سياسه اصلاحيه شامله تقوم على دعم السلع الأساسية وايجاد فرص عمل من خلال استغلال الموارد المتاحة وتخفيض الضرائب على الاقل لمدة سنتين من اجل دعم القطاع التجاري و الصناعي والخدمي ليقوم بدوره في تشغيل ابناء الوطن الذين ارهقتهم السياسات التقشفية المظهرية والاستغناء عن كثير من العاملين في الشركات بسبب الركود الاقتصادي وضرورة تبني خطط حقيقيه لجذب الاستثمارات الأجنبية من خلال اعفاءات ضريبيه والاستفادة من تجربة ( مصر في ودبي ) في تشجيع واستقطاب المستثمرين والإسراع باستغلال الصخر الزيتي كمورد هام جدا لتزويد الاردن بالبترول لـ 1000 سنه قادمة بكلفة استخراج للبرميل الواحد لا تزيد عن 30 دولار.
من حقنا على اردننا ان نطمح بحكومة ديناميكية يراسها شخص يتمتع بالكفاءة واالحيوية و يكون من ابناء الشعب و يحس بهمومهم ويدعمهم ويطورهم ويؤهلهم ويلبي طموحاتهم وينزل وأعضاء حكومته للميدان وان يقتدي بجلالة الملك الذي يقوم بالزيارات الميدانية لوحده اكثر من كل الوزراء الحاليين.
أخيرا نحن منذ زمن بعيد تتوق أنفسنا الى حكومة تعرف معنى الجوع والمرض والفقر والعوز وعدم توفر الدواء ورفع اسعار المواد الغذائية وحليب الاطفال وتعرف أكثر معنى كرامة والحرية والاعتبار للمواطن الأردني الشريف الذي صبر من اجل سمعة ومكانة وطنه طويلا ولم يعد قادرا على احتمال استمرار الاستفزاز والاستهتار بسبل معيشته واتقوا ( شر الحليم إذا غضب ) وخرج عن طوره وخالف عاداته.