ماهر أبو طير - ذات الجهات التي تسرب معلومات أن هناك تعديلا وزاريا، هي ذات الجهات التي تعود وتسرب أن هناك تغييرا حكوميا، وهي ذات الجهات التي تعود وتنفي أن هناك تعديلا وزاريا، وتعود ايضا وتنفي ان هناك تغييرا حكوميا، فالكل يتسلى بمصداقية الصحافة، وبالحكومة ذاتها.
كنا سابقا نعرف أخبار التعديل أو التغيير على الحكومة من مصادر موثوقة، ونادرا ما كنا ننشر حين كنا صحفيين أي معلومات، قبل أوانها فتخطئ، فمصادرنا قوية، وهي لا تتسلى بنا، ولا تلاعب الحكومة، عبر تسريب معلومات كاذبة كليا، او نصف كاذبة، أو ملونة أيضا.
ألا تلاحظون أننا خلال العامين الأخيرين، قرأنا أخبار التعديل المحتمل، او التغيير الكلي، ألف مرة، وكل مرة يقسم كاتب الخبر، انه واثق جدا، من معلوماته، فيتبين العكس لاحقا؟.
إذا رحلت الحكومة الحالية وجيء برئيس جديد، أو أعيد تشكيلها كليا، بذات الرئيس، أو أجري تعديل وزاري، سيخرج من يتذاكى ويقول” ألم أقل لكم؟” وقصته هنا مثل الذي يكتب خبرا في الصيف ويقول فيه من المتوقع سقوط المطر خلال فصل الشتاء المقبل، ويظنه سبقاً.
لنتحدث هنا بصراحة، هناك حالة تجفيف للمعلومات، لم تكن موجودة سابقا، وخلال الأعوام الأخيرة، حبس الرسميون كل معلوماتهم، فأنت قد تجالس رئيس الوزراء، او اي وزير مهم، فلا تخرج منه بمعلومة، فالكل يتحدث بشكل عام، والكل يتهرب من تسريب المعلومات، والكل يترك الصورة غامضة، فيقع في الورطة، كل من هو غير محترف، فيما يدرك المحترف هنا، أن لعبة الاستغماية هي السائدة في عمان، وأن لا أحد يعرف فعليا ماذا سيجري قريبا؟.
القصة لا تقف عند الحكومة، فقد قرأت عشرين مرة خلال آخر أربعة عشر شهرا عن تغييرات في مواقع سيادية وحساسة، ولم يحدث اي شيء، وكـأن الذي يسرب يتعمد محقا ما تبقى من مصداقية الإعلام، أو أنه يستعمل بذكاء متدني المستوى الإعلام، لهز فلان، أو خلخلة علان.
الجو في عمان يميل الى ادارة الاعمال اليومية، وتسكين الملفات، وحتى ساعة كتابة هذه السطور، لا نخرج من الروتين السياسي اليومي، فلا أسباب داخلية، وسيناريوهات خارجية تفرض اي تغييرات بشكل استباقي، دون ان ينفي ذلك احتمال كل شيء في توقيت ما.
علينا أن نعترف أن إدامة الأمور، قد تخفي خلفها ضعفا في تقييم المشهد، وهذا الضعف يجب ان لا تتعامى عنه الطوابق العليا، بذريعة اننا مللنا من كثرة التغيير، او التساؤل حول جدوى التغييرات، ما دامت السياسات هي ذاتها، وهذه الادامة قاتلة لروح الدول، وتعبر أحيانا عن عجز وليس عن حالة استقرار، أو تحد لمن يريدون فرض التغييرات بكثرة الكلام.
معنى الكلام انه بعيدا عن شهوات السياسيين بإجراء تغييرات شاملة، وبعيدا عن مآرب الذين يسربون لاعتباراتهم، يتوجب حقا ان تتم مراجعة الاشياء، لأن بقاء أي مسؤول أيضا في موقعه لفترة طويلة، قد يؤدي إلى استمرار أي سياسة خاطئة يتبناها، وأحيانا تتوسع صلاحيات هذا او ذاك فيستبد بمن حوله وحواليه، أو تنشأ مصالح له، أو بطانة أو شلة، أو جماعة، وغير ذلك من أضرار بسبب طول البقاء في موقع معين، بما يفرض إدراك الحقيقة التي تقول إن التغيير أحيانا مطلوب ليس لأن من سيأتي بعد هذا أو ذاك سيحدث فتحا مبينا، بل مطلوب بحد ذاته لغايات التغيير، وفك العقد، إن كانت موجودة، وتحريك المياه الساكنة.
هذه ليست دعوة لتغيير الحكومة، او المسؤولين في مواقعهم، اياً كانت، بقدر كونها دعوة لتوزين كلفة البقاء أو الرحيل لكل من يشغلون المواقع، والتوزين هنا يجب أن يراعي عوامل عدة، وليس مجرد الرضا على هذا أو ذاك، أو الاعتقاد ان من خلفه ليس احسن منه، وهذا الكلام يمتد في معناه إلى التفاصيل في المشهد الراكد في الأردن، على أكثر من مستوى وعنوان.