ماهر أبو طير - جيد الذي تم الإعلان عنه من حيث استبدال قضاة المحاكم 1066 حكما بالسجن من غير مكرري ارتكاب الجرائم، بخدمة المجتمع وبعقوبات بديلة، فهذا تطور نوعي يستحق الإشادة.
المشكلة في الأردن تكمن في عدة نقاط، أولها أن عدد المطلوبين والمحكومين يصل إلى عدد كبير جدا، وكما قلت سابقا، لو سلموا أنفسهم مرة واحدة، لما وجدوا أماكن لتوقيفهم، فالسجون مكتظة، هذا فوق الكلام الذي يعترف به الرسميون حول واقع السجون التي تؤدي إلى تعرف المجرمين على بعضهم بعضا، وأحيانا نقل عدوى الإجرام من شخص مجرم محترف إلى شخص محكوم على قضية عادية، كما أن هذا النوع من العقوبات يمنح الإنسان المخطئ الفرصة ليتوب ويتوقف عن الجرائم، أو الأخطاء التي تورط بها، بدلا من تحطيمه مباشرة، من خلال السجن، وإنهاء مستقبله كليا، وهذا أمر شهدناه في حالات كثيرة بين الناس.
الجانب الذي يستحق النقاش حقا، يتعلق بتكرار الجرائم، وهنا لا بد أن يقال صراحة، إن العقوبات لم تعد رادعة، وإذا كنا نرحب بالعقوبات البديلة وفقا لكل حالة، فإن هناك حالات لعقوبات سالبة للحرية غير كافية، تفرض تعديلات على القوانين، في قضايا المخدرات، القتل، هتك العرض، السرقة، وغيرها من قضايا، ولو كانت العقوبات رادعة حقا، لما خرج المجرم من السجن وكرر الجريمة، أو زاد عليها جرائم من أنواع مختلفة، تهز المجتمع.
علينا أن نعترف أيضا أن ملف السجون بحاجة إلى مراجعة، بسبب الملاحظات التي تتسرب حول واقعها، وقد يكون الكلام كيديا، لكن هذا الملف حساس، خصوصا، حين تتحول اليوم إلى بؤر للمجرمين المحترفين، وبرغم تصنيف هؤلاء، وغير ذلك من إجراءات إلا أنه يتوجب مراجعة كل الإجراءات والقضايا المتعلقة بما يحدث داخل هذه السجون، من أخطاء أو مخالفات، أو حتى نشوء علاقات جرمية، وغير ذلك من أوضاع يعلم عنها المعنيون.
دول العالم، لا تسجن اليوم على أي قضية، فمثلا لم يعد هناك في دول كثيرة، أي سجن على القضايا المالية، كما أن بعض العقوبات يتم استبدالها، وهذا تطور نوعي في الأردن، والأهم فيه التأكد تماما من تنفيذ العقوبة البديلة، حتى لا تصبح مخرج نجاة، لمن يتم الحكم عليه.
الأردن مثل مجتمعات كثيرة، يتعرض يوميا الى تغيرات جذرية على صعيد بنيته الاجتماعية، كما أن عدد المواطنين والسكان يزداد يوميا، في ظل الفقر والبطالة وتفشي المخدرات والإدمان، وغير ذلك، وهذا يعني أننا لم نعد أمام المجتمع الذي نعرفه سابقا، مما يرتب مسؤوليات أكبر على جهاز الأمن العام، والقضاء، وبقية الجهات ذات الصلة بهذا الملف.
قرأت قبل أيام عن نجاة شخص مدان بالاشتراك بسرقة 20 كروز دخان و5 كيلو غرامات قهوة من أحد المحلات، من حكم بالأشغال المؤقتة لفترة طويلة، واستبدلتها محكمة جنايات عمان ببديل العقوبات السالبة للحرية، وهي أن يعمل دون أجر لمدة 50 ساعة في مشتل حرجي تابع لوزارة الزراعة في إحدى المحافظات، وهذا أمر جيد، لكن الحذر مطلوب في هذه الحالات من استسهال الجريمة، أمام إمكانية إصدار أحكام بعقوبة بديلة، بما يجعلنا نحض من يصدرون الأحكام على إصدار عقوبات بديلة مؤثرة، وتترك أثرا على من يرتكب أي خطأ.
ربما من المناسب تحديث المعلومات للرأي العام حول بعض القضايا التي يتم استبدال العقوبات بها، لكن مع التنبه إلى ضرورة عدم صناعة انطباع أن كل جريمة من الممكن التساهل معها، وإصدار حكم ثم استبدال العقوبة السالبة للحرية، فهذا جانب آخر في هذه القصة، التي يتوجب الحذر فيها، من حيث الرسالة التي يتم إيصالها إلى الناس، بشكل عام.