عند تشكيل الحكومات المتعاقبة في الأردن ,يتم إرسال كتاب تكليف ملكي سامي من جلالة الملك لدولة الرئيس الجديد المكلف الذي يوكل إليه بتشكيل حكومة جديدة , ويتضمن الكتاب رؤىً ملكيةً ساميةً ملزمةً للحكومة للإلتزام بتطبيقها أثناء مرحلة توليها المسؤولية لما فيها من مصلحة المواطن وتطلعاته , للعيش الكريم والحفاظ على الوطن ومقدراته في جميع المجالات وعلى العلاقات الأردنية مع الخارج وقضايا الأردن المحورية , وهنا تكمن إلتقاط الحكومات للإشارات الملكية المستشرقة للمستقبل ضمن المتغيرات التي نعيشها, فتبدأ الوزارات بوضع الخطط والنهج للسير فيها قدماً أثناء فترة تولي الوزراء للسلطة , وقد يتبعها جلالة الملك بتشكيل لجان تحديثية وتطويرية إذا إستشعر بتباطىء بالإنجازات أو عدم تحقيق كامل للأهداف المتوقعة , تكون مخرجاتها عبارة عن رؤى مساعدة وملزمة مرتبطة بجدول زمني لتكون عابرةً للحكومات كما حصل مؤخراً بلجنتي : رؤية التحديث الإقتصادي وتحديث القطاع العام. إن إجتهاد الحكومات وعلى رأسها دولة الرئيس لتفسير التطلعات والرؤى الملكية ومخرجات اللجان لتطبيقها ليس بها ترفاً زمنياً يحتاج إلى إتخاذ قرارات جريئة وسريعة وغير مبتورة , ولا يُعفى من ذلك كل من يتباطىء بإتخاذ القرار المناسب بالوقت والزمان المناسبين.
للتنفيذ الصحيح للتطلعات والرؤى الملكية ومخرجات اللجان يجب أن يكون هناك خبراء مختصين ومخططين إستراتيجيين ذوي الخبرة والإبداع والتميز في المجال الذي سيسندوا به اللجان الوزارية , وذلك لثلاث أسباب رئيسية يمتلكها هؤلاء الخبراء والتي تفتقر لها اللجان التي شُكلت للتنفيذ وهي: 1) إمتلاكهم القدرة على الإستشراف الصحيح المبني على الأسس التحليلية العميقة عند تقديمهم الدعم المطلوب للجان وخصوصاً عند وجود متغيرات كثيرة خارجية وتحديات جديدة من الممكن أن تؤثر على تطبيق النهج والخطط الموضوعة, لأن المتغيرات هذه قد تُفشِل مخرجات لجنة بالكامل أثناء تطبيقها. 2) إلزام الحكومات المتعاقبة بإستمرارية تطبيق النهج والمخرجات السابقة والبناء عليها . 3) إيجاد البديل وتصحيح أي مسار بالسرعة الممكنة في حالة وجود معاضل تؤثر على التطبيق .
لقد لاحظنا في السابق على سبيل المثال التخبط وعدم وضوح الرؤيا في قطاع الطاقة خلال 15 عاماً الماضية , حيث كانت هناك أكثر من ست سياسات وتوجهات دون أي خطة إستراتيجية موجهة من مختصين خبراء ومخططين إستراتيجيين في هذا المجال , ليتعاملوا مع المتغيرات والتحديات الخارجية لتلبية إحتياجاتنا للطاقة , فبدأت السياسة الأولى بالتركيز عام 2008 على الصخر الزيتي , وفي عام 2011 حدث متغير خارجي على أثر إنقطاع الغاز المصري كلف فاتورة الكهرباء مليارات الدولارات مما دفعنا عام 2012 للتركيز على الطاقة البديلة كسياسة جديدة من شمسية ورياح , وبعدها سياسة المفاعل النووي, ثم سياسة الربط العربي الكهربائي ثم العودة إلى الطاقة البديلة للإنتقال بعدها إلى سياسة التنقيب عن النفط والغاز وتأهيل الآبار والحقول النفطية والغازية على أمل زيادة الإنتاج بكميات كبيرة والآن التطلع بسياسة إستخدام الهيدروجين, وواقع الحال الآن هو إستيراد 60% من مشتقاتنا النفطية ومصفاة البترول الوحيدة لدينا لا تلبي سوى 40% من إحتياجاتنا اليومية, والطاقة البديلة لا تغطي أكثر من 29% من توليد الكهرباء.
إن الدول المتقدمة لديها طواقم حكومية تنفذ بدقة الخطط والإستراتيجيات المقترحة للتنفيذ , وعلى الجانب الآخر لديها من يعمل بالظل لوضع هذه الخطط ومتابعة تنفيذها وتذليل العقبات أمامها في ظل المتغيرات والتحديات العالمية والمحلية , وإيجاد الحلول البديلة بأقل جهد ووقت ومال عن طريق تقديم النصح والإرشاد للجهاز الحكومي,ويعرفون بإسم المخططين الإستراتيجيين:Strategic Planners فلا تستغرب أن لدى الولايات المتحدة الأمريكية مخططون إستراتيجيون ذوي إختصاصات مختلفة لديهم الخطط لثلاثين عاماً قادمة في المجالات الإقتصادية والتكنولوجية والزراعية والتجارية والسياسية والصناعية والمالية والإستثمارية والتعليمية والطبية والغذائية والطاقة والمياه يتم تحديث هذه الخطط والعمل عليها سنوياً وتقييمها وفقاً للمتغيرات العالمية والمحلية .
إن العمل بروح الفريق الواحد بين هذه الإدارة الجديدة المقترحة مع أية حكومة من شأنه ضمان تطبيق رؤية التحديث الإقتصادي وتحديث القطاع العام , في أقصر وقت ممكن وبفاعلية عالية دون محاباة لأي مسؤول , وإيجاد الحلول البديلة للمعاضل على أن تؤخذ مصلحة المواطن بالدرجة الأولى كل ذلك سيقودنا إلى تحقيق الأهداف المرجوة.
م.مهند عباس حدادين
رئيس مجلس إدارة شركةJOBKINS الأمريكية
مستشار لدى مجموعةDDL- CDAG الأمريكية
mhaddadin@jobkins.com