ما بين الباص السريع .. والإنجاز البطيء ..!!
عمان " العاصمة الأردنية " ذات الألق المتجدد والوجه الصبوح ، التي دأب الأردنيون وعلى الدوام منذ التأسيس و الاستقلال وعلى رأسهم القيادة الهاشمية إلى مواكبة كل التطورات الحديثة التي طرأت على فنون العمارة المتجددة مع تداخل متناسق مع فنون العمارة القديمة للحضارات التي مرت أو استقرت على ثرى الأردن وتحديداً " عمّان " التي حملت كما هو معروف عدداً من الأسماء التاريخية كانت قد أطلقت عليها عبر التاريخ .. فـ " ربة عمون " هيّ واحدة من هذه الأسماء التي أطلقها العمونيون على مدينة عمان وتعني " دار الملك " .. ثم جاء اليونانيون بتسميتها " فيلادلفيا " والتي تعني " مدينة الحب الأخوي "... إلى " عمّان الحاضر والمستقبل " العاصمة الأردنية التي واكبت العديد من دول العالم المتقدم ، والمطلع والمتابع للتطور الذي طرأ في الأردن لثلاثين عاماً مضت ، سيرى الفارق الكبير ، فقد فاق الإزدهار في الأردن حدود امكانياته ، بل تجاوز كل المقاييس العالمية والعربية وببصمة هاشمية معهودة عبر التاريخ المعاصر ..!!
" الأردن " الآن ، وفي خضم التحول الذي طرأ مؤخراً على المنطقة نتيجة " الربيع العربي " أدى إلى زيادة أعداد الراغبين والمحبين من أشقائه العرب والأصدقاء لزيارته والتمتع بألقه وتاريخه العريق ، وما يتمتع به من طمأنينة ، بل ويجدون فيه واحة أمنٍ واستقرار لا مثيل لها ، إضافة إلى ما يكتنز الشعب الأردني بين الضلوع من طيبٍ وكرم وحسن استقبال تجاه أشقائه العرب وأصدقائه عبر هذا الكون .. !!
ومن أجل الاحتفاظ بهذه الصورة البهية التي يراها الزائرون بعيونهم نحو الأردن ، يجب على الحكومات أن تسعى وبشكل دؤوب ومتواصل لإبقاء هذه الصورة الجميلة منطبعة في الأذهان ، قابلة للإضافات الجميلة ، ووضع الدراسات والحلول اللازمة والمناسبة من أجل استثمارها سياحياً بصورة تليق بالوجه الحضاري والتاريخي لهذا الطن الغالي علينا جميعاً ..!!
مع الإزدياد المفاجيء في أعداد وأفواج السياح القاصدين أردننا الحبيب إثر الأحداث الدائرة في عدد من دول الجوار الشقيقة ، ظهرت العديد من الثغرات التنظيمية على مستوى الوطن لم تكن سابقاً واردة في أذهان المخططين وأصحاب الدراسات الميدانية التي اعتمدت الواقع وتطوراته الآنية ، وبعض التطبيقات النظرية التي أبداً ما توصلنا إلى حلول ناجعة ، بل على العكس من ذلك تجدها أي الدراسات وعلى الأغلب غير قابلة للتطبيق ..!!
فمشكلة المرور التي بدأت تظهر بصورتها الجلية عبر السنوات الأخيرة هيّ واحدة من هذه الثغرات القاتلة ، فلم تقتصر على العاصمة عمان فحسب ، بل طالت أغلب المدن والقرى الأردنية ، فكثرت الإختناقات التي خلقت الكثير من البؤر المرورية شبه المستعصية حتى بدت توشك على الانفجار ، وخاصة في فترات الذروة الصباحية والمسائية ، التي وإن لم توضع الحلول المناسبة والمدروسة لتجاوزها ، سيكون من الصعب التندر بعواقبها ولن يكون بالإمكان حينها كبح جماح المزيد من الألام التي تخلفها حوادث المرور الدامية .. !!
العاصمة " عمّان " .. وعبر أمانتها كانت قد نفذت العديد من المشاريع التي من شأنها المساهمة في تخفيف هذه الاختناقات واستئصال بؤرها ، فكانت الأولويات والدراسات تدور حول إنشاء الجسور والأنفاق في نقاط تشهد زخم كبير من هذه الاختناقات المرورية ، وهناك بعض هذه المشاريع لم تثمر ولم يؤتى أوكلها جيداً ، بل وعجزت من جعل حركة المرور تعمل بإنسيابية مئة بالمئة في بعض المواقع الهامة ، رغم وجود عدد من الجسور والأنفاق ، فاضطر المختصون إلى التفكر بآلية جديدة على وطننا الأردن ، فجاؤوا لنا بفكرة مشروع " الباص السريع " ليساهم بحل مشكلة تنقل الموظفين وحركة النقل العام في العاصمة عمان .. والذي تم ايقاف المرحلة الثانية من هذا المشروع من قبل الحكومة لوجود شبهة " فساد " مالي واداري في تنفيذه ، ونتيجة البطء في تنفيذ وانجاز هذا المشروع ، كان قد أثار ضجة كبيرة بين المواطنين ساهمت في الكشف عن شبهات الفساد التي جعلت من الحكومة اتخاذ قرارها بإيقاف تنفيذ المرحلة الثانية منه ، وهذا يعني أن الغاية المرجوة من هذا المشروع ستتأجل لإشعارٍ آخر ، وأن المساهمة في التخفيف من الاختناقات المرورية باتت شبه مجمدة لحين وضع النقاط على الحروف والعودة لاستكمال المراحل المتبقية من تنفيذ هذا المشروع الحيوي ..!!
رغم إنني لست من هواة أو راغبي وسائل النقل السريع ، ولست من ممتطي صهوة هذا النوع من الوسائل كذلك .. إلاّ أن سرعة تنفيذ المشاريع تعنيني كمواطن شأنه شأن غيره من المواطنين الذين يئنون من الحال الذي وصلت إليه أوضاع السير المقيت في أردننا الحبيب من " اختناقات مرورية " ، نذوق فيها مرارة الخروج من أزماتها بصورة باتت شبه يومية أو حتى ساعية ، ولم يتوقف هذا الأمر عند العاصمة عمان فحسب ، بل قد طال أغلب المدن والأرياف والقرى والبوادي دون استثناء ، ونتيجة حتمية لهذه الاختناقات ، قد تحوّلت أغلب الطرق الفرعية فيها إلى طرق رئيسية ، ولسوء التخطيط للمدى البعيد ، والتصورات المستقبلية للتوسع العمراني ، الذي أخذ ينحو بقوة منذ مطلع الثمانينيات القرن الماضي ، نحوّ التوسع العامودي ، الذي يعني إزدياد عدد السكان في مساحة محددة فالطرق الفرعية التي لم يأخذ مهندسي الطرق ومخططي المدن هذا الوضع المروري بالحسبان ، باتت أشد وطأة وأكثر ازدحاماً من الطرق الرئيسية بعد أن أصبحت عبارة عن " مهارب " وملاذاً لكارهي الاختناقات المرورية ..!!
م . سالم عكور akoursalem@yahoo.com