د. محمد حسين المومني - الهيئة العالمية الأهم في تصنيف الدول ائتمانيا، وكالة فيتش العالمية، تقرر تثبيت التصنيف الائتماني السيادي للأردن طويل الاجل مع نظرة مستقبلية مستقرة. هذا يعني الكثير على صعيد الاقتصاد والمالية العامة في الأردن، لأن هذه التقارير المهمة تلعب دورا كبيرا في طمأنة المستثمرين الراغبين بإنشاء او نقل الاعمال للأردن، والاهم ايضا، انها تتيح الاقتراض لجدولة الديون بنسب فوائد متدنية مقارنة مع الدول المقترضة التي تصنف ائتماناتها السيادية بسلبية، ويشير هذا التصنيف لسيطرة الأردن على العجز واتجاهه عبر الوقت نحو الانخفاض. هذا معناه حرفيا مئات الملايين وفر على الخزينة نتيجة اسعار الفائدة المتدينة للقروض التي يضطر الأردن لها، ومعناه سهولة الوصول لهذه القروض التي تتنافس عليها كافة الدول العالم التي تحتاج الاقتراض.
لم يتسن هذا التصنيف الا بسبب جهود مضنية ومحترمة وحكيمة وقفت بحزم من اجل الالتزام ببرنامج الاصلاح المالي والهيكيلي. هذا البرنامج ورغم عدم شعبيته لدى الناس، الا انه السبب الاساس الذي حمى الأردن من ألا ينزلق لمنحدرات تاه فيها لبنان والعراق وسورية وغيرها من الدول. برنامج اصلاحنا حكيم التزمت به الدولة وبات عابرا للحكومات، ونحن نحصد نتائجه الآن. الأردن استطاع الحفاظ على استقرار ماليته العامة، واستمر ايضا باتخاذ سياسات نقدية حصيفة وحكيمة، وهاتان السياستان شكلتا معا اساسا لمنعة الأردن المالية والنقدية، التي فقدتها دول عديدة حولنا. هذه الشهادات من منظمات التصنيف العالمي لا تأتي بالساهل، ولا تعطى بناء على اسس المجاملة، بل تتأتى بعد ان يتم تمحيص كل القرارات والسياسات واصدار تقييم ان مالية البلد تدار بحكمة، وتسعى لتحقيق مؤشرات واقعية توائم ما بين الانفاق والموارد. برنامج الاصلاح المالي والهيكلي في الأردن من انجح برامج اصلاحنا، تميز انه لا يخضع لأهواء الحكومات او شعبوية الوزراء لانه متعاقد عليه دوليا، وهو وان كان مرّ في بعض تفاصيله، الا انه العلاج الاقتصادي الاصلاحي الذي نحتاج.
مؤسف ان نرى انجازا وطنيا بهذا الحجم يمر وكأنه تحصيل حاصل، فلا يجد حقه من الاهمية التي يستحق الأردنيون ان يعرفوها. حجم الانجاز يظهر عندما نرى دولا حولنا تعاني الامرين، والأردن صمد واقتصاده اكتسب منعة، فنظرة واحدة لحجم التضخم بالعالم ومقارنته بالأردن تظهر لنا كيف ان سياستنا النقدية الحصيفة استخدمت اداة اسعار الفائدة لكي تكبح جماح التضخم بحكمة ودقة، وكيف ان سياستنا المالية الحصيفة توسعت بالانفاق اثناء كورونا ضمن حدود آمنه وليس بتهور، وهذا ادى إلى أن تكون امورنا الآن بخير. تركيا نسبة التضخم فيها وصلت 80 % في انهيار كامل للعملة الوطنية، وهذا ادى لارتفاع جنوني بالاسعار، ويعلم الأردنيون الذين دخلوا سوق العقار التركي كم هي حجم خسائرهم الان. الشقيقة مصر ذات الاقتصاد الكبير تعاني ايضا، فقد توسعت بالانفاق والاقتراض ما أثار دهشة الجميع وقتها، ولكنها الآن تواجه عدم القدرة على الوفاء بالدين بسبب ضعف الموارد، والاشد، انها لا تستطيع الاقتراض الا بأسعار فائدة مرتفعة بسبب اوضاعها المالية الصعبة. اما مالية الأردن وعملته فبخير، وهذا بسبب برنامج اصلاحي حكيم عاقل برغماتي عابر للحكومات.