زاد الاردن الاخباري -
استبعد رئيس ديوان الرأي والتشريع والوزير الأسبق الدكتور نوفان العجارمة، أن يتخذ شكل الحكومات "النيابية” في الدورة البرلمانية المقبلة، صورة التكليف الوجوبي للأغلبية في البرلمان، مرجحا أن يطبق مبدأ المشاورات إلى حين مرور نحو 4 دورات برلمانية، مشيرا إلى أن التعديلات الدستورية فورية التطبيق، لكن آثارها ليست مباشرة. فيما انتقد العجارمة تراخي المسؤولين والوزراء خلال فترة ترؤسه للديوان بتطبيق آلية مذكرة البيانات التشريعية، قائلا إنه لا يوجد سياسة تشريعية في "الدولة الأردنية”.
ولم يتردد العجارمة الذي تولى عدة مواقع رسمية، من بينها أيضا تولي حقيبة وزارة التنمية السياسية، من التأكيد على أنه لا حاجة لوجود وزارة لتفعيل مسار التنمية السياسية، وأن الاستقرار التشريعي في البلاد لا بد من ضبطه، مؤكدا الحاجة الماسة لوجود تشريع متكامل لتنظيم قطاع أراضي وأملاك الدولة وعقاراتها.
وفيما يلي نص الحوار:
• بشأن التعديلات الدستورية الأخيرة، قلت في تصريح لك، أنها لن تؤتي أكلها سريعا، كيف ذلك؟
– المشرّع الدستوري عادة، تنبّؤي، يحاول استشراف المستقبل، ويضع أسسا وقواعد تنظّم العلاقة بين السلطات العامة في الدولة والفرد والسلطة عموما، وبالتالي ليس بالضرورة إنتاج القاعدة الدستورية آثارها مباشرة، لذلك، فالأنظمة السياسية تجري مراجعات بين الحين والآخر، والمراجعة تهدف غالبا الى تأطير المستقبل. والمراجعة التي أجريناها العام الحالي لتحديث المنظومة السياسية، هدفها الأساسي الانتقال إلى الحكومات البرلمانية بعد 10 سنوات تقريبا، أو بعد 4 انتخابات من الآن. فالقاعدة الدستورية، ليست قاعدة تتعلق بفرض رسوم أو ضريبة أو إعفاء يلمس أثره المواطن في اليوم التالي. عليه، ليس بمجرّد نشر التعديلات الدستورية في الجريدة الرسمية، ستتغير الحياة السياسية في البلاد. هذا مدماك طويل، لا بد من البناء عليه لبنات متعددّة، ومنها قانونا الأحزاب والانتخاب، لما يشكّلانه من رافعة للعمل السياسي.
• شغلت موقع وزير التنمية السياسية لأشهر، وإن كانت هذه الفترة قصيرة، لكنك اطلعت عن قرب على أوضاع الأحزاب؟ باعتقادك ما هي مشكلة أحزابنا، وما هي الطريقة المثلى لبنائها؟
– التنمية السياسية برأيي كوزارة، يجب ألا تكون دائمة، لأنها برنامج يبدأ في مرحلة وينتهي في أخرى، كما هو الحال بالنسبة لتطوير القطاع العام. الأصل أن تكون متصلة ببرنامج، لا ان تكون وزارة دائمة، والبرنامج يجب ان يكون ذو طابع استشرافي، بحيث يزيل المعوقات التي تحول دون انخراط الناس في العمل السياسي والحزبي. وإذا عدنا للخلف، نجد أن عقد مقارنات لتجارب سياسية في دول أخرى مع الأردن ربما تكون ظالمة لتجربة للدولة، مثلا الحديث عن التجربة الحزبية في المغرب العربي، وهي تجربة طويلة وقديمة، قامت على وجود أحزاب مهمة، لها بعد شعبي في حينه وساهمت بتحرير المغرب من الاستعمار الفرنسي. أما الأحزاب الأردنية فهي حديثة، وعندما سمح او رخص لها بالعمل في الخمسينيات، وهي فترة لم تكن طويلة، سرعان ما تم حظره واصبح العمل الحزبي السياسي، جريمة يعاقب عليها القانون، ومن ثم سمح للاحزاب مجددا بالعمل بعد عودة الحياة البرلمانية في نهاية الثمانينيات، لكن ذلك ترك رواسب عالقة في الأذهان، كما أن الممارسات المتعلقة بالإدارة التنفيذية لدى الحكومة وتعاطيها مع العمل الحزبي، كأنه أبغض الحلال إلى الله. هذه كلها مسائل لا بد من تقييمها من منظور أوسع، ولا يمكن إلقاء اللّوم على الحزبية، وأن ننتظر أن تصبح هناك حياة حزبية بكبسة زر. الحياة السياسية والحزبية والديمقراطية، مسار وليست قرارا، فلا يمكن أن نتخذ قرارا اليوم، ونقول إننا نريد أن نصبح دولة ديمقراطية ونصبح في اليوم التالي كذلك. إنه مسار تدرّجي متصاعد.
أما أحزاب الخمسينيات وما بعدها، باعتقادي كانت فروعا ومكاتب لأحزاب خارجية من الأحزاب الإسلامية إلى الأحزاب الأخرى؛ البعث والاشتراكية والشيوعية وغيرها، وكان لكل من الأحزاب الخارجية فرعه؛ الشيوعيين كان لهم فرعهم والإخوان المسلمين لهم فرعهم. وبالتالي، لم نأت بفكرة حزب أردني خالص. عليه، لم يكن تعاطي الدولة مريحاً أو محببّا مع الأحزاب في تلك الفترة التي كانت تعمل على الساحة الأردنية، لأن الحزبية – كما أوضحت- كانت امتدادا لأحزاب في دول مجاورة، وهذه الدول كانت تشهد انقلابات عسكرية مستمرة، والخريطة السياسية كانت هلامية، وبالفعل كانت هناك أخطار حقيقية، والحمد لله لم نتعرض لها، لذلك لا يمكن إحكام القرار السياسي الذي اتخذ سابقاً بأثر رجعي بناء على معطيات اليوم، بل لا بد من النظر الى المعطيات التي حدثت في الخمسينيات والستينيات بتقديري، صاحب القرار في حينه، كان حصيفا لحماية الدولة وضمان استمرارها وبقائها.
ودائما أقول، ليست بالديمقراطية وحدها تعيش الدول، وأرجو ألا يفهم من كلامي أنني من دعاة الاستبداد. كثير من الدول غير الديمقراطية والتي لا تدّعيها، حققت نوعا من التنمية لشعوبها كالصين وغيرها. وفي علاقة السلطة بالفرد، كل الدول في العالم تحاول الاقتداء بالنظام السياسي الأميركي، لأنه يحاول تقديم ثلاثة أشياء؛ الرفاه والحرية بمعناها الواسع من إبداع وابتكار، بالإضافة إلى تقديم الأمن للمواطن، لذلك بقية الأنظمة السياسية في العالم، تمنحك اثنين أو واحدة منها، وتساوم على البقية.
وعودة على ذي بدء، أقول إن إصلاح الإصلاحات في الدولة الأردنية، يبدأ بقانوني الانتخاب والأحزاب، لأن النظام لدينا نيابي ملكي وراثي.
كذلك فإن تقوية البرلمان ضرورة ملحة، لأن ضعف مجلس النواب ينعكس على السلطات الأخرى. فالنيابة مفتاح العمل السياسي، لأن جلالة الملك عبدالله الثاني، لا يستطيع ممارسة عمله إلا بعد أن يقسم أمام البرلمان، وبالتالي هو من يمنح الشرعية الدستورية في الحكم. والمسألة الثانية – صحيح أن الحكومة يسميها جلالة الملك وتقسم أمامه – فمجلس النواب من يمنحها الثقة، ومن يحجبها عنها، وحجر الزاوية في العمل السياسي يبدأ من البرلمان، وضعف البرلمان ليس من مصلحة أي دولة.
• ماذا عن مجمل مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية في الشق المتعلق بالعمل البرلماني؟
– ما طُرح في اللجنة مهم حول قضية البرلمان وكيفية تشجيع الناس على المشاركة في الانتخابات، وثنيهم عن الانكفاء على الذات، وعدم المشاركة في الانتخابات، وهناك أسباب كثيرة مرتبطة بهذا الأمر، منها المال السياسي وشكوى الناس من العبث بالانتخابات، وكلها ممارسات أحبطت الشارع. لقد حاولت اللجنة تجاوز هذه الإشكاليات نحو محاولة إعادة الثقة بين المواطن والدولة، والتي قطعت نتيجة ممارسات، لكن هذه الثقة لا تعود إلا بممارسات عملية، يلمسها الناس بشكل مباشر، ومجرد الكلام والإنشاء لا يفيد. نريد ممارسات فعلية تعيد ثقة الناس بالبرلمان. كل الدول التي تعتمد الأنظمة البرلمانية، انطلقت من تشكيل البرلمانات الحزبية بشكل عام، لأن برلمان الأفراد لا يصنع كتلا أو توجهات عامة، وسرعان ما تتلاشى الكتل البرلمانية. الحل الأمثل، هو الدفع لإيجاد برلمان حزبي داخل قبة البرلمان. هذا يمكن أن يتحقق دون فرض الحزبية فرضا على الناس، وعبر إقناع المواطن الذي لا يؤمن بالعمل السياسي الجماعي ترسخ هذه الثقافة، وحتى نصل الى البرلمانات الحزبية نحتاج الى 4 انتخابات على الأقل، وتأسيس أحزاب مقنعة، تكون لها قواعد، وتنطلق من حواضن شعبية قادرة على تلبية حاجات الناس، وتشعر بهمومهم. عندها يكون للأحزاب ثقل في الشارع.
• لكن كيف ستكون آلية تشكيل الأحزاب منتجة، ونحن نرى بعض حالات تشكّل على أساس الشخوص، في ظل القانون الجديد، وهل هو قانون مثالي؟
– لا يوجد قانون أحزاب مثالي، والقانون الجديد وضع شروطا عامة، وأي قانون بشكل عام لا يشكل مشكلة في العمل السياسي والحزبي. المشكلة تكون بالممارسة وبثقة المجتمع بالأحزاب، ومدى القناعة بالعمل الحزبي بشكل عام. قضية وجود أحزاب الأشخاص، نعم موجودة، وأثرت سلبا على العملية السياسية، فحزب الشخص الواحد مشكلة بالفعل، لأنه يسعى لأن يكون أمينا عاما لحزب، ويعتقد بأن هذه طريقة تمكّنه من تقلد المناصب العامة بشكل عام والوزارة بشكل خاص، لذلك، حسنا فعل المشرّع اليوم، أنه فصل مسألة النيابة عن الوزارة، ويمكن للحزب الفائز بأن يسمي او يطرح بعض الأعضاء المنتمين له لتشكيل الحكومة، وكثير من الأنظمة البرلمانية في العالم، تطلب من نوابها الاستقالة للانضمام إلى الحكومة، أو تجميد عضوية النائب الذي يصبح وزيرا، وبعض الأنظمة تحظر الازدواجية وبعضها يسمح بها، بالتالي لا توجد وصفة أو نموذجا محددا بهذا الشأن. والمشرع الأردني عندما حظر الجمع بين عضوية المجلس والحكومة، حاول أن يتخلص من الفردية، وجعل من الانتماء للحزب الدافع الحقيقي للانخراط في الانتخابات والمشاركة السياسية، وأن يكون الهدف الحقيقي هو الحزب كمؤسسة. وأعتقد في المرحلة المقبلة، بأن أي حزب ليس له بعد شعبي حقيقي، لن يستمر.
• كيف ستؤثر القائمة الوطنية في قانون الانتخاب الجديد على التشريع والرقابة وتشكيل الأغلبية؟
– نأمل بعد الدورة الانتخابية الثالثة وفق قانون الانتخاب الحالي، بأن تصبح هناك أغلبية حزبية في البرلمان، ووجود الـ41 مقعدا للقائمة الوطنية في الدورة البرلمانية المقبلة – على أهميتها- لن تشكّل أغلبية برلمانية، ولكن العملية تدريجية، إذا نظرنا إلى تطور الحياة الحزبية خلال العشرين عاما الماضية. كل البرلمانيين الحزبيين، كان أداؤهم أفضل وأجود في المناقشات العامة والعمل التشريعي والرقابي، لأن الحزب لديه أدواته وأدبياته، وعندما يكون هناك 41 حزبيا، لا بد وأن يكون لهؤلاء تأثير على إيقاع البرلمان بشكل عام. مثلا برلمان الـ89، كان أداؤه هادئا ومتزنا، وكلما تنوع التعدد الحزبي تحت قبة البرلمان، سيكون الأداء أفضل، بخاصة مع وجود العتبة التي تغربل الأحزاب الضعيفة شعبياً وتخرج الأحزاب التي ليس لها ثقل من السباق الانتخابي. وعلى هذا الاساس، ربما نكون أمام 3 الى 4 أحزاب فقط في البرلمان.
• تحدثت في مقال سابق لك قبل عشرة أعوام عن أنماط وصور الحكومات البرلمانية المنشودة مع تطوّر الحياة الديمقراطية، ورجّحت بأن يتحقق هذا المبدأ في هذه الحقبة، وطرحت 4 أنماط أو نماذج. اليوم؛ أمام منظومة التحديث السياسية، أي الأنماط ترجّح؟
– تحدثت عن الحكومة النيابية تحديدا، وقصدت بأن تتحقق الأغلبية النيابية من 50 % زائد واحد أو حكومة ائتلافية من عدة أحزاب، اذ يتوقع بأن تجري ذلك بعد الدورة الانتخابية الثالثة أو الرابعة على قانون الانتخاب الحالي، وبالتالي يتحقق لدينا شكل من أشكال الحكومة النيابية. في المرحلة الأولى لن تكون هناك أغلبية خلال الـ41 مقعدا. علماً بأن طريقة تشكيل الحكومة لم تتغير دستورياً، فجلالة الملك هو الذي يسمّي رئيس الوزراء ويوافق على أسماء الوزراء. أو باعتقادي في الدورة الأولى المقبلة، لن يطرأ أي تغيير على آلية تشكيل الحكومة، وربما الثانية أيضا، والمشاورات ربما تبدأ عند الدورة الثالثة المقبلة أو الرابعة، علماً بأنها يمكن أن تجرى في أي وقت، وهي حصلت في مواسم سابقة ودون وجود برلمانيين حزبيين.
• متى نتوقع الانتقال من مرحلة المشاورات الجوازية إلى الوجوبية في هذه المسألة؟
– وجوبية المشاورات الآن غير قائمة، ولا في الدورة المقبلة أو حتى التي بعدها كما قلت. عندما نصبح أمام أغلبية حزبية من أكثر من نصف البرلمان، تصبح المشاورات ضرورية والمسألة تدرجّية.
• ما أهمية مجلس الأمن القومي الجديد، والتوقعات بشأن الحاجة له؟
– هذا المجلس ليس تنفيذيا، ولن يتخذ قرارات ذات طابع يومي. ربما نحتاجه مرة في العام أو قد لا نحتاجه، وقراراته تهدف للمحافظة على أمن الدولة واستقرارها، سواء في مسائل الأمن الداخلي أو السياسة الخارجية. المجلس، جزء من السلطة التنفيذية، لأن كل الأشخاص الأعضاء فيه تنفيذيون، قراراته مرتبطة بالسياسة.. بالاستراتيجية العليا للدولة، وبالتالي لن يدخل في تفاصيل العمل اليومي. وفي تشكيلته وكيفية اتخاذ قراراته، لم نخرج عن إطار المادة 40 من الدستور، فهو يتخذ قراراته، وترفع الى جلالة الملك للموافقة عليها، بتثبّت توقيعه فوق تواقيع رئيس الوزراء والوزير أو الوزراء المعنيين.
وأود القول هنا، إن مشكلات دول العالم الاقتصادية والمالية، أسبابها ونتائجها وحلولها سياسية، وتحل عبر توسيع قاعدة اتخاذ القرارات. اسمحي لي أن أقول إن مشكلتنا في المجتمع الأردني ليست مع الدين ولا مع المرأة ولا في علاقة المرأة بالمجتمع، أو بغياب الديمقراطية، وأكرر إنني لست من دعاة الاستبداد مطلقا، لكن لدينا مشكلات فقر وبطالة وتدن في مستوى التعليم، وغياب لثقافة الحوار مع الآخر، وغياب للتنمية الانتاجية والفقر وسياسة الأجور والضرائب وغير ذلك. هذه هي المسائل التي تهمنا بالدرجة الأساسية، ففي تونس مثلا، غير البرلمان والحكومة ورئيس الجمهورية، والمواطن بعد 10 سنوات عاد إلى الشارع مرة أخرى، بسبب البطالة والفقر وغياب التنمية الانتاجية وانهيار التعليم. هذه هي المصائب الرئيسية.
• قضيت أكثر من 6 سنوات في رئاسة ديوان الرأي والتشريع، كيف تقيّم عملية التشريع عموما، هل لدينا مشكلة تشريع، وهل نحتاج إصلاحا تشريعيا؟
– سأقول معلومة، اولاً: لا توجد سياسة تشريعية في الدولة، وأنا حاولت عندما كنت رئيسا للديوان وضع بعض مبادئ للسياسة التشريعية، لكنها لم تصمد طويلا.
• كيف ذلك؟
– الأصل الثبات والاستقرار التشريعي، فمثلا إذا أقر قانون ما اليوم، فيفترض بأن ننتظر فترة معقولة من الزمن دون فتحه مجددا، وأنا كنت أتحدث عن مهلة من 3 الى 4 سنوات، لكن هذه المسألة لم تتحقق على أرض الواقع.
ثانياً: لا توجد سياسات حكومية قطاعية- باستثناء بعض القطاعات، كالاتصالات والتعليم- فالأصل في السياسات القطاعية أن تستمر لمدة طويلة، ويعاد النظر فيها كل 5 سنوات. وبناء عليها، تسنّ او تستحدث التشريعات، أي تعديل السياسات القطاعية (إضافة أو نقص)، وهذا السبب الموجب لسن القوانين أو التشريعات بشكل عام. وبالتالي، فمع غياب السياسات القطاعية، تصبح سياسة الوزير الشخصية هي المطبّقة، وعندما يتغير الوزير تتغير معه سياسة الوزارة، وبالتالي كل وزير يندفع نحو استحداث تشريع جديد، وهذا أدى لعدم الاستقرار التشريعي في الدولة. خصوصا عندما يكون الوزير قادما من القطاع الخاص، وليس لديه أي معرفة أو خبرة في القطاع العام، أو حتى معرفة بشؤون وزارته، وعندما كنت رئيسا للديوان، مر وزراء لا يفرقون بين إدارة الدولة وإدارة الشركة المساهمة العامة!!
• كيف يمكن تنظيم المسألة في ظل الصلاحيات التشريعية للحكومة والبرلمان؟
– في الفترة التي عملت فيها بديوان التشريع، قدم مجلس النواب مرة واحدة مقترحا لسّن قانون. مجلس الأمة غير مبادر في اقتراح التشريع، والذي يقترح التشريع هو الحكومة، ولا بد من الوقوف عند أي تشريع، أن نسأل إذا كنّا بحاجة له أم لا، والسؤال عن السبب الموجب الحقيقي له.
في ديوان التشريع، وضعت مذكّرة بيانات تشريعية، تتضمن أكثر من 12 بندا عند سن التشريعات الجديدة، من حيث مدى أهمية التشريعات وأهدافها ومدى ملاءمتها مع الاتفاقيات الدولية، وما النقص التشريعي المحتمل والمراكز القانونية التي يمكن استحداثها أو تعديلها وغيرها. لم يجر التعاطي معها من الوزراء بشكل علمي وعميق، وكانت هناك إجابات مقتضبة جدا ومختصرة.
• ماذا عن قانون الدفاع والمراكز القانونية التي أوجدها؟
– كل أوامر الدفاع تلغى في حال أوقف العمل بقانون الدفاع، وبطبيعة الحال، يتطلب هذا تنسيبا من مجلس الوزراء ومن ثم موافقة جلالة الملك. أي مركز قانوني انتهى، لا يمكن إعادة النظر فيه مجددا بعد وقف العمل بقانون الدفاع. بمعنى أن المراكز القانونية التي اكتملت وتشكلت وانتهت في ظل قانون الدفاع وأوامر الدفاع، تكون صحيحة، وهي محسومة ضمن مبدأ الأثر الفوري للتشريع، سواء تعديلا أو إلغاءً أو استحداثاً.
• هناك 21 قانونا مؤقتا في عهدة اللجان النيابية بمجلس النواب الحالي، تعود لفترات زمنية مختلفة، قبل العام 2011، كيف يجب التعامل معها؟
– هي مستمرة في العمل، لأن التعديل الدستوري لعام 2011 وضع ضابطا في مسألة القوانين المؤقتة التي تسّن بعد 2011، ولم يشمل القوانين المؤقتة التي سن سابقا على هذا التعديل. القوانين المؤقتة التي تسن بعد عام 2011 على مجلس الأمة، البت فيها خلال دورتين عاديتين متتاليتين من تاريخ إحالته للمجلس أن يقر هذه القوانين، أو يعدلها أو يرفضها، فإذا رفضها أو انقضت المدة ولم يبت بها وجب على مجلس الوزراء بموافقة جلالة الملك، أن يعلن بطلان نفاذها، على ألا يؤثر ذلك في العقود والحقوق المكتسبة.
وأذكر أنه في حكومة الدكتور عبدالله النسور، أقر قانون مؤقت للموازنة العامة، وهو القانون المؤقت الوحيد بعد 2011. وبرأيي فإن التعديل الدستوري في عام 2011 بشأن القوانين المؤقتة، لم يكن حصيفا، لأنه لا يعقل منع الدولة من سنّ القوانين المؤقتة، ما دامت هناك رقابة برلمانية ورقابة المحكمة الدستورية، فما الضير بأن تسّن القوانين المؤقتة، ما دالمت أدوات الرقابة موجودة؟ لقد قصر سن القوانين المؤقتة في حالة حل البرلمان فقط، وحصرت في 3 حالات فقط (الكوارث العامة وحالة الحرب والطوارئ والحاجة إلى نفقات ضرورية ومستعجلة لا تحتمل التأجيل). وفي حالات الكوارث والحروب عالجتها المادتان: 124 و125 من الدستور، ولا تحتاجان إلى قانون مؤقت، إذ يمكن اللجوء إلى الأحكام العرفية أو قانون الدفاع. أما الحالة الثالثة، فهي النفقات الطارئة؛ وعولجت أيضا بصرف 1/12 من الموازنة السابقة، ولا يعقل حصر سنّ القانون المؤقت في قانون الموازنة العامة فقط.
في ظل حل البرلمان، تستغرق فترة الانتخابات الجديدة نحو 4 أشهر، وهي فترة طويلة، والدولة قد تحتاج لتشريع خلال ساعات. كان الأمر متاحا بدون ضوابط وأصبح مغلقا تماما، هذه استدارة 180 درجة وهروب من المسؤولية باعتقادي. الرئيس الفرنسي شارل ديغول في دستور العام 1958 عكس العملية التشريعية، وجعل البرلمان يشرّع على سبيل الاستثناء، بينما تقوم الحكومة بالتشريع تحت رقابة البرلمان.
• ما هو رأيك في دور المحكمة الدستورية بالرقابة على القوانين والتعديلات التي طرأت مؤخرا على صلاحيات المحكمة؟
– عندما استحدثت المحكمة الدستورية في التعديل الدستوري لسنة 2011، جرى إطالة الطريق للوصول اليها، بحيث اشتملت الإجراءات على الدفع أولا بعدم الدستورية أمام محكمة الموضوع، وهي بدورها تحيلها إلى محكمة التمييز، ومن ثم "التمييز” تقرر إذا كانت هناك ضرورة للتحويل إلى المحكمة الدستورية أم لا؟
في تعديلات العام الحالي ألغيت هذه الحلقة، وأصبحت محكمة الموضوع تحيل مباشرة إلى المحكمة الدستورية، لكن النص أيضا، أعطى لأطراف الدعوى هذا الحق ولم يمنحه للمحكمة نفسها. هل يعقل أن أحرم محكمة الموضوع من التصدّي لعدم الدستورية، ما الذي يضير بأن نعطي قاضي الحكم إذا وجد أن النص غير دستوري، بأن يحيل الموضوع من تلقاء نفسه الى المحكمة الدستورية؟ لماذا تجرد المحكمة من هذا الحق الأصيل؟ لا يوجد أي مبرر قانوني أو منطقي.
• قرارات "الدستورية”، أيّدت إلى الآن قرارات سابقة تفسيرية للمجلس العالي لتفسير الدستور، والقرارات التفسيرية أيضا للمحكمة منذ إنشائها محدودة، كيف تفسّر ذلك؟
– أولا، أنا لست مع إعطاء المحكمة الدستورية حق تفسير الدستور. فتفسير الدستور بدعوى مباشرة يشكل حالة من حالات إعادة كتابة الدستور أو تعديله بطريق غير مباشر من دون المرور بالطرق المرسومة بموجب الدستور ذاته، لأن التفسير يصبح جزءا من الدستور بمجرد نشره في الجريدة الرسمية، وهو ملزم للسلطات في الدولة كافة، ولا نبالغ اذا قلنا، إن المادة التي تفسر تنتهي من الوجود القانوني، لأن العبرة بالتفسير وليس بمنطوق المادة. يمكننا أن نتصور وجود جهة تفسر القانون، لأن الخطأ في التفسير يمكن تداركه من المشرع بتعديل النص موضوع التفسير، أما في حالة تفسير الدستور، كأن تتوسع المحكمة بالتفسير او بتضييق بعض أحكام الدستور، فإنها أصبحت تمارس دور السلطة التأسيسية، أو تقوم بدور ثلاث جهات مجتمعة (الحكومة ومجلس الأمة وجلالة الملك)، وهنا مكمن الخطورة لأن المشرع العادي لا يملك تداركا لهذا الخطأ. لذلك، فالافضل ألا تعطي أي جهة حق تفسير الدستور. المحكمة الدستورية هي من يفسر الدستور بالنظر في الطعون وليس بدعوى مباشرة، كأن تفسّر مبدأ تكافؤ الفرص أو العدالة أو المساواة أو المراكز القانونية المستقرة. معظم دول العالم تتبنى الرقابة على التشريع، ولا تعطي صلاحيات التفسير للمحكمة. وبالنسبة لمحدودية التفسيرات العبرة بمن يطلب التفسير.
• ما الملفات التي كنت ترغب بإنجازها عندما كنت في موقع المسؤولية، ولم تنجزها بسبب معوقات أو أسباب أخرى؟
– أنجزنا قانون الملكية العقارية بمبادرة من ديوان التشريع، واستمر العمل به لـ3 سنوات، والسعي كان لإنجاز مشروع قانون متكامل ينظّم الملكية العقارية للدولة (من حيث البيع والإيجار وغيرها من التصرفات التي ترد على أملاك الخزينة)، من حيث حيازتها والانتفاع بها أو تأجيرها أو استملاكها. أحيانا يقال استملاك وأحيانا تخصيص أو منفعة أو تأجير، وهو ملف مفتاح مهم للاستثمار وتعاطي الدولة مع هذا الموضوع شائك وروتيني جدا، ويؤثر سلبا على الاستثمار.
أيضا، كانت هناك خطة لمراجعة القانون المدني لسنة 1976، وهو قانون وضعته لجنة كريمة، لكن منذ ذلك التاريخ، شهد العالم تحولات كثيرة، وكثير من الأحكام التي وردت في القانون المدني، وُضعت بتشريعات خاصة لاحقا، مثل قوانين الشركات والعمل والإيجار والرهن وغيرها. وبالتالي فثلثا القانون لم يعودا موجودين على أرض الواقع. وكانت هناك خطة أيضا لمراجعة قانون التجارة لسنة 1966.
على الصعيد القضائي، قدمنا صيغة مقترحة لقانون متكامل للنيابة العامة، وذهب الى المجلس القضائي في حينه بين عام 2014 أو 2015، باعتبار أن النيابة العامة ذراع الدولة لمكافحة الجريمة، وذلك بإعطائها صلاحيات واسعة وإمدادها بكل التقنيات والأموال اللازمة لعملها، على أن ترتبط بتقديري برئيس الوزراء، وبذلك يكون تم الفصل بين القضاء في مسار والنيابة العامة في مسار آخر، وأن يكون على رأس النيابة العامة نائبا عاما يعيّن باردة ملكية.