هل حقا يريد الشعب الاردني الاصلاح؟
بقلم: د. عبدالله اصحاب
سؤال عجيب وجدُّ غريب، خصوصا الآن، وبعد الذي كان، من المحن الجسام، وتكسير عظام، الشعب الهمام، وطعن بالحسام، لرجال الامن العام، وتوجيه اصابع الاتهام، لكل كائن من كان.
دعنا اذا نعيد صياغة السؤال ونسأل اسئلة اقل غرابة.
هل نحن مستعدون لدفع ثمن الاصلاح؟
هل يمكن ان تُحكَم الشعوب الصالحة من قبل حكومات فاسدة؟
هل من يقف وراء الحراك السياسي في الاردن اقل فسادا من الحكومات؟ وما هي الضمانة؟
هل نمتلك الشجاعة والموضوعية للاجابة على هذه الاسئلة بصدق، بعيدا عن الرومانسية والعصبية والنرجسية؟
هل نجرؤ على مواجهة الحقيقة، والاعتراف بالذنب وتحمل المسئولية والبدء باصلاح الذات؟
للاجابة على هذه الاسئلة، والقاء الضوء على واقع الحال في الاردن، دعونا نتفحص قصص حقيقية من مجتمعنا.
سمير مواطن اردني من ذوي الدخل المحدود، يعمل "موظف مكتب" في احدى الدوائر الحكومية في عمان، ويسكن في ضواحيها، وله من الابناء ثلاثة اولاد وثلاث بنات، اثنان منهم يدرسون في الجامعات، والآخرون – الاصغر سنا – يدرسون في المدارس الحكومية.
وضع سمير المادي ضعيف بعض الشيء، اذ ليس للعائلة دخل سوى راتبه المتواضع – 300 دينار- بالاضافة الى عائد الايجار عن منزل قديم ورثه عن ابيه – حوالي 150 دينار في الشهر.
من حين الى آخر تنهال على سمير طلبات الابناء للمستلزمات الدراسية من أقلام حبر الى مواعين ورق الى ملفات الى الوان الى طباعة تقارير الخ .. سمير يطلب دائما من ابنائة الا يشتروا اي شيء من هذه المستلزمات قبل اعطائه فرصة اسبوع على الاقل لاحضارها لهم، حيث يقوم سمير بعمل قائمة لطلبات الابناء وتجميع واحضار ما امكن منها من مكان عمله، ويقوم بشراء الباقي من السوق.
بخيب ايضا مواطن اردني من سكان الزرقاء، ويعمل كسائق في احدى الشركات الخاصة في عمان براتب شهري مقداره 300 دينار. لتوفير الحوافز لموظفيها، خصوصا هؤلاء الذين يسكنون في اماكن بعيدة عن الشركة كالزرقاء، قامت الشركة بالسماح لبخيب باخذ باص الهونداي العائد للشركة معه الى الزرقاء، شرط ان يقوم بتوصيل موظفي الزرقاء الاربعة معه من والى مكاتب الشركة خلال ايام الدوام، وكذلك اشترطت الشركة على بخيب بان لا يستخدم الباص لاية اغراض خاصة.
مصروف بخيب الشهري يتعدى ال 400 دينار. ففواتير تلفونات الخلوي والانترنت والكهرباء واشتراكات الساتلايت والنادي الرياضي وحدها تتعدى المئتي دينار في الشهر. خصوصا ايام الصيف "لما الكنديشن يشتغل ليل نهار".
لذلك، وفي يومي الجمعة والسبت، ايام عطلة الشركة، يقوم بخيب باستخدام باص الشركة لنقل الركاب بين الزرقاء والزرقاء الجديدة والسخنة مقابل أجر،حتى يغطي مصاريفه.
شاهين شخص اجتماعي، نشيط، ومحبوب جدا، يعمل كمراسل في دائرة حكومية. بحكم عمله وخدمته كمراسل، ولمدة عشرين سنة في نفس الدائرة، هو على علاقة جيدة مع مئات الموظفين الحاليين والسابقين ممن انتقلوا الى دوائر حكومية اخرى. شاهين يدعي احيانا بانه على معرفة ببعض الشخصيات الرسمية الرفيعة ممن كانوا في السابق موظفين بسيطين في بداية مشوارهم في الخدمة العامة. بامكان شاهين بالتعاون مع حلقة معارفه الكبيرة ان ينهي اية معاملة تستلزم عادة يوم او يومين او اكثر من الاجراءات الروتينية، خلال ساعة او ساعتين على الاكثر. يتقاضى شاهين على المعاملات التي "يعجلها" من دينارين الى عشرة دنانير حسب نوع المعاملة. خدمات شاهين التي تتضمن كل شيء تقريبا الا واجبات المراسل لا تنتهي هنا، فبامكان شاهين احيانا ان "يقلل" بمقدار آلاف الدنانير من قيمة الرسوم والضرائب والمستحقات الاخرى للدولة على جميع انواع المعاملات. في حالات من هذا النوع، عندما تكون الفائدة المجنية من قبل المواطن طالب "المساعدة" آلاف الدنانير، بامكان شاهين وشركائه جني مبالغ تصل الى الالاف وذلك حسب "كُبر المعاملة".
شركة التعهدات التي يعمل فيها اسامة، كبيرة نسبيا ولها مكاتب في اربد وعمان والعقبة. معظم المشاريع التي تنجزها الشركة هي لجهات رسمية ودوائر حكومية. يعمل اسامة في قسم المبيعات وهو من انشط مندوبي مبيعات الشركة. اسامة يقوم بمتابعة العطاءات الحكومية على الجرائد الرسمية في الصباح، واقامة العلاقات مع موظفي دوائر العطاءات الحكومية والاتصال بهم للحصول على المعلومات اللازمة لتقديم العروض والفوز بها. يفتخر اسامة بانه قادر على الفوز بأي عطاء اذا كان لشركته مصلحة في اخذه، اي المشاريع الكبيرة التي تدر الملايين من الارباح. اما المشاريع الصغيرة التافهة فليتهافت عليها "الهِبل" الذين لا يفهمون آلية عمل الدولة والجهات الرسمية بشكل عام. اسامة يدعي بان الهدايا، الصغيرة منها والكبيرة، والمقدمة الى اصحاب القرار في احالة العطاءات في الدوائر الرسمية "بتسوي العجايب وتجيبلك العطاء من ذانو مهما كان حجمه" على حد قوله.
عوض وزير دولة وشغل عدة حقائب وزارية على مدى 15 عاما. عوض يفتخر دائما ويقول "جدي حمل شنتة واحدة وابوي شنتتين، بس انا صرت لحد الآن حامل اربع شناتي"، ويستطرد قائلا "طبعا انتو عارفين بقصد بالشنتة حقيبة وزارية، لانه لا انا ولا احد من عيلتي اضطر في يوم من الايام انه يحمل شنتة اغراض – الحمد لله". ثروة معالي عوض "اللهم لا حسد" نمت من مئات الآلاف حين استلم اول وزارة، الى 60 مليون دينار مع مر السنين. "اموالي كلها حرام الا الراتب"، يقول عوض احيانا متباهيا امام الناس. ابنا عوض يدرسان الآن في جامعة السوربون ويتم اعدادهما من قبل ابيهما لاستلام مناصب تليق بالعائلة العريقة حال عودتهما من الخارج.
هذه الشرائح والامثلة من مجتمعنا تبين بوضوح، بان الفساد ليس حكرا على الحكومة وممثليها من اصحاب المعالي والسعادة والعطوفة، فالشعب ايضا، وفي معظم الاحيان، شريك متواطئ. والموضوعية والامانة تحتم علينا الاعتراف بهذه الحقيقة. فالفساد بطبيعته، لا يتحقق بجهد فردي، وانما يحتاج الى شركاء. والكل عندنا والحمد لله "يهبُر حسب طاقته وقدرته".
هل سنقضي على الفساد في الاردن بسجن عوض واسترداد ما نهب؟ ماذا عن عِزوَةِ عوض، هل ستكون على قدر المسؤولية الوطنية وتدين عوض على فساده، ام تخرج في مظاهرات تطالب بتبرئته؟ ماذا عن سمير وبخيت واسامة وشاهين؟
نعم، نحن نطالب بالجعجعة، الآن وبسرعة، ولكن هل نحن مستعدون للطحن؟