زاد الاردن الاخباري -
يختصر المخضرم عبد الكريم الكباريتي مسافة أوسع نحو الحيرة التي يشعر بها أعضاء نادي الرؤساء في الأردن وهو يفترض العديد من الأسئلة الاستفهامية بعنوان «لا نعلم ما الذي يجري؟».
في ذهن النخب السياسية الأردنية الخبيرة آخر الأمثلة الحية، حيث شعور عام بأن «لقاء العلمين الخماسي» الأخير «مهم جداً»، لكن لا أحد في الطبقة المحلية يعرف ما الذي حصل فيه. والأهم أن شعور الغربة يستوطن أكثر بين أعضاء نادي رؤساء الوزارات الذين كانوا دوماً بمثابة مصدر الخبرة والحكمة والنصيحة والاستشارة.
لكن أغلبهم اليوم إما معتكف عن الأضواء والمسرح تماماً، أو حتى متحدث بلغة نقدية إلى حد ما، أو منشغل بتصدر جاهات الأعراس والخطوبة، حيث ظهر رئيس الوزراء الأسبق المحنك عبد الرؤوف الروابدة مجدداً الأسبوع الماضي في جاهة خطوبة تسلطت عليها أضواء الإعلام بحكم زحام عدد كبير من رموز الحرس القديم فيها.
في كل حال، التهمة القديمة لطبقة قدماء رجال الدولة بعدم التدخل لصالح الوطن والدفاع عن الدولة لا يزال صداها يتردد هنا أو هناك، فيما يشعر سياسي من وزن طاهر المصري بالظلم والتجني في مثل هذه التهمة، ويرد عليها بعبارة تصاحبه في أغلب المجالسات قوامها.. «لا أحد يشاورنا أصلاً»، درج المصري على طرح سؤال استفهامي..»مع من نتحدث اليوم»؟
ثمة رسائل يمكن التقاطها من مثل هذه الشخصيات التي بقيت لعقود ليس في دوائر القرار فقط لكن في دوائر المشورة على الأقل، فيما لا يبدو أن طبقة المسؤولين والسياسيين الجديدة تملأ الفراغ الذي تركه الحرس القديم كما يوصف، فرموز الدولة في الماضي يستفتيهم ويسألهم المجتمع اليوم لا بل يلومهم في كثير من الأحوال ويطالبهم برفع الصوت.
والأهم هو استقرار شعور شخصية مثل الكباريتي بأن أحداً لا يعرف ما الذي يجري بصورة محددة، وهي إشارة إلى أن التغذية بالمعلومات من قبل الطاقم الذي يدير الأمور اليوم تنفيذياً واستشارياً لا تبدو منتجة أو فعالة، حيث لا يعرف كبار الساسة عن ماذا يدافعون بصورة محددة، وحيث أيضاً اعتقاد متموقع بأن غياب المعطيات والمعلومات الطازجة عن خيارات الدولة واستراتيجيات الخيار وبوصلة ميزان المصالح يمنع أو يحول دون الاستفادة فعلاً من دور وآراء الطبقة السياسية.
مؤخراً، وفي أحد الاجتماعات، تحدث بصراحة المصري عن هذا الأمر، فوضعت آلية للمتابعة على أن يتولى الطاقم الاستشاري الاستماع لآراء كبار أعضاء نادي الرؤساء وملاحظاتهم، لا بل توثيقها، ويبدو أن زيارات تحت هذا السياق نفذت لبعض هذه الشخصيات، ومن بينها الروابدة والمصري، لكن تلك الآلية توقفت لسبب غامض الآن.
والانطباع يزيد وسط النخبة عموماً بأن الملفات والقضايا المهمة لا يوجد حولها معلومات ومعطيات طازجة ومفيدة يمكن أن تسهم في تأسيس جبهة وطنية نخبوية تشارك فيها شرائح السياسيين الخبراء القدامى الذين لا يجدون في كثير من المفاصل ما يفعلونه وسط المجتمع بعد التقاعد القسري وأحياناً العزل والإقصاء إلا الرفع قليلاً من سقف القول خلال محاضرة أو ندوة ما، يحرج جميع الأطراف لاحقاً.
حصل ذلك أكثر من مرة، لا بل أصبح ظاهرة في بعض الأحيان ابتداء من انتقاد التعديلات الدستورية الأخيرة علناً على لسان رئيس وزراء سابق، وانتهاء من التحذير على لسان رئيس سابق أيضاً من سيناريو الإفلاس، مروراً بعبارة قرعت كالأجراس، إما تحدثت عن سفينة الوطن التي تغرق أو سفينة الوطن التي تتلاطمها الأمواج.
غياب المعلومات عن سياسيين كبار لهم حضور في عمق المجتمع وحتى في النظام الإقليمي وأحياناً الدولي أصبح مظهراً من الصعب نكرانه، لا بل يشكل -برأي السياسي مروان الفاعوري- مساحة للتشكيك وغياب اليقين خلافاً لأنه يشكل واحدة من أبرز الحلقات المفقودة، التي تظهر بأن الطبقة السياسية ليست موحدة عملياً خلف أي برنامج من أي صنف يمثل الدولة، حيث إن رؤساء الوزارات السابقين على الأقل وكبار الساسة المتقاعدين ليسوا معارضين ولا يمكن اتهامهم بكل الأحوال ولا المزاودة عليهم في الانتماء والولاء في النظام السياسي.
رغم ذلك، ثمة قصور في مخاطبتهم لا بل في الاستفادة من خبراتهم، وثمة خلل واضح عند طبقة من السياسيين والمستشارين الشباب الذين لا يجيدون التشبيك بين مركز القرار وأعوانه المخضرمين الذين تتقاذفهم الاتهامات خصوصاً من أعضاء نادي رؤساء الوزارات السابقين؛ مرة باعتبارهم «ديناصورات» يعيقون المسيرة، ومرات باعتبارهم شهوداً على انهيارات وتراجعات لا يتحدثون عنها لا بل كانوا جزءاً منها.
كلاهما في الدولة والمجتمع اختار الوسيلة الأسهل في انتقاد هذا النادي نكاية بالحقيقة، وهي الاتهام فقط، وإن كان كل ما يتحدث عنه هؤلاء من الذين استمعت وتستمع لهم «القدس العربي» هو شكوى من الإقصاء وعدم معرفة الكثير مما يجري خلف الستائر والكواليس، وسؤال استفهامي مقلق: كيف بصورة محددة، ندافع عن خيارات وسط المجتمع لا أحد يتحدث معنا عنها ولا نملك معطيات ومعلومات بخصوصها؟
القدس العربي