أدرجت السلطة الفلسطينية تقارير القناة العاشرة في عداد "حملة ضغط منهجية مسعورة تقوم بها حكومة نتنياهو ضدها مستخدمة أقذر الوسائل وأحط الأساليب ، وبهدف استئناف المفاوضات".
حسنا ، سنمضي وراء حكاية الضغوط و"المؤامرة"...فنحن نعرف الآن ، وعلى ألسنة قادة السلطة ، بأن استئناف المفاوضات ، هو مصلحة إسرائيل وغايتها ، وأن "المفاوضات بلا شروط" هي مؤامرة إسرائيلية صافية ، وسنتساءل كما تساءل أركان المقاطعة في رام الله عن مغزى التوقيت ودلالته الأبعد والأعمق.
إن كان الحال كذلك ، فإن من حقنا أن نطالب بأن يأتي الرد الفلسطيني على "المؤامرة الإسرائيلية" الجديدة القديمة ، مركزا على جبهتين اثنتين: الأولى ، رفض استئناف المفاوضات بأي شكل من الأشكال ، مباشرة أو غير مباشرة ، ما لم تخضع إسرائيل لشرط "الوقف التام للاستيطان ، في الضفة والقدس" ، فاستئناف المفاوضات بلا شروط ، هو مصلحة إسرائيلية خالصة ، ورفضنا لها هو خطوة "مؤلمة" للاحتلال ، لا يجب أن نسقطها أو نتخلى عنها بأي حال من الأحوال.
أما الجبهة الثانية: فهي تحصين البيت الفلسطيني من الداخل ، من خلال تطهيره من الفاسدين والمنحلين والمتهتكين أخلاقيا ووطنيا وإنسانيا ، فالحركة الوطنية تقوى بطرد هؤلاء من صفوفها ، والسلطة الفلسطينية تصبح أكثر رشاقة بتخففها من هذه "الحمولة الفائضة" ، والشعب الفلسطيني سيكون أكثر سعادة حين يتخلص من منتهكي محرماته وسارقي لقمة عيشه ، والمقاومة الفلسطينية - السلمية حتى لا تغضب سلطة رام الله - ستكون أشد مضاء إن هي لفظت هؤلاء ، وجردت إسرائيل من أوراق ضغط وقوة ، وحرمتها من "حصان طروادة" أو بالأحرى من "خيول طروادة" التي نمت كالنبت الشيطاني في رحم السلطة والمنظمة والحركة الوطنية الفلسطينية.
إسرائيل تريد استئناف المفاوضات بلا شروط ، فهي غطاء لديمومة الاحتلال وتوسع الاستيطان وتمدد الجدران ، وهي الوسيلة لتقليل كلفة الاحتلال ، وبث الأوهام بوجود عملية سلام ، وتفادي ضغوط المجتمع الدولي ، وتأجيل الاستحقاقات الداخلية المتصلة بأسئلة الديموغرافيا ويهودية الدولة وديمقراطيتها إلى غير ما هنالك.
ونحن في المقابل ، نريد مفاوضات ، نريدها مشروطة بوقف الاستيطان بصورة كاملة وشاملة ، نريدها مفاوضات بمرجعية قاطعة في وضوحها ، مفاوضات بسقف زمني لا تتخطاه ، نريدها مفاوضات رشيدة مدعّمة بمقاومة راشدة ، وليس مهما بعد ذلك إن جاءت مباشرة أو غير مباشرة.
من أجل أن تحصل إسرائيل على ما تريد ، فإنها تضغط على الفلسطينيين بكل السبل والأوراق والأدوات المتاحة ، بما فيها محاولة "لي الذراع الفلسطينية المجروحة" بالفساد والفاسدين.
ومن أجل أن يحصل الشعب الفلسطيني على ما يريد ، عليه أن يضغط بكل ما ملكت يداه من وسائل ضغط وأدوات قوة تحفظ "المستوى الأخلاقي والقيمي" للقضية العادلة والمشروعة للشعب الفلسطيني ، ومن أجل ذلك يتعين الإقدام من دون تردد على تطهير البيت الفلسطيني من الفساد والفاسدين والمفسدين.
نعم سنقول معكم أو نردد وراءكم بأنها مؤامرة إسرائيلية ، هدفها دفع المفاوضات بلا شروط ، فماذا أنتم فاعلون ، هل ستثبتون على مواقفكم ، هل ستواصلون رفض الانصياع للضغوط ، أم أنكم سترضخون للضغوط الظاهرة والمخفية الرامية دفعكم للتخلي عن هذا "الشرط ـ المطلب" ، هل هناك أسباب لا نعرفها - من نوع الذي أطلعتنا عليه القناة العاشرة - قد تدفعكم للتخلي عن شرطكم والهبوط عن قمم أشجاركم ، بل وتحويل هذه الأشجار إلى حطب لمواقدكم؟...هل لديكم أوراق أخرى غير التلويح بالحرد والاستقالة ، من يكترث ومن يبالي ، وهل أصبح التلويح بالاستقالة هو "السلاح الاستراتيجي الوحيد" الذي نشهره تارة لوقف الاستيطان وأخرى لمنع القناة العاشرة من نشل غسيلنا القذر ، ألم يعد سلاحا مثلوما بعد أن فشل في انتزاع أي مكسب من أي نوع وعلى أي جبهة ، ألم تعد المسألة برمتها اسطوانة مشروخة لا تطرب أحدا.