قبل أشهر كنّا أمام حالة ذعر حقيقي من إنفلونزا الخنازير ، وقالت دراسات وتحليلات وتقارير طبية وصحافية إنّه من المتوقع موت مئات الآلاف من الناس نتيجة هذا المرض الجديد الذي سينتشر مثل النار في الهشيم ، وحتى منظمة الصحة العالمية المحترمة صنّفت المرض بإعتباره وباء.
وقبلها سنتين أو ثلاث ، عاش العالم ذعراً مرعباً من إنفلونزا الطيور ، واستمعنا وشاهدنا تقارير مشابهة ، وعن الشتاء "المقبل" الذي سيحصد أرواح مئات الآلاف ، وعادت محطات فضائية إلى التاريخ لتقول إنّ ملايين ماتوا قبل مئة سنة من المرض الذي إنتشر ذات يوم ، وصارت الطيور المهاجرة إلى بلد ما نذير شؤم ، لا مشهد جمال.
الآن ، لا شيء من ذلك في الأخبار ، ويبدو أنّ الإنفلونزا العادية حصدت أرواحاً أكثر ممّا حصدته الطيور والخنازير ، فما الذي جرى ، وهل يتقدّم أحد من المسؤولين عن الحملات بمجرّد تفسير للتخويفات في المقام الأوّل ، وتفسير آخر لتمخّض الجبل في حالة ولادة لفأر صغير؟
خلال تلك الأيام التي امتلأت فيها شاشات العالم بالذعر ، كانت تظهر تقارير مضادّة تنفي ، وتقول إنّ الأمر مجرّد تجارة في تجارة ، ولكنّها كانت تظهر في ذيل النشرات ، ويبدو أنّها كانت هي الصحيحة ، ولا أنسى صديقاً يكاد يبكي وهو يقول لي إنّه جمع كلّ الطيور التي ربّاها في مزرعته على مدار السنوات وأطلق عليها النيران ، خوفاً من المرض ، ولعلّه يبكي الآن ندماً لأنّه ارتكب تلك الجريمة النكراء،