مكرم أحمد الطراونة - أحتاج إلى تفسير بليغ لتصريح وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور وجيه عويس حول سياسة القبول الموحد، والتخفيض التدريجي في تخصصات مثل الطب وطب الأسنان والصيدلة!
لست بصدد تقييم حديث الوزير، فهو أكثر دراية مني بتفاصيل ملفه التعليمي، وهو يملك أدوات من المفترض أن تساعده على اتخاذ قرارات صائبة بعيدة عن الارتجال. لكن لا ضير من طرح بعض التساؤلات التي تحتاج إلى إجابة حتى نتمكن، نحن قوم المتابعين، من فهم ما يجول في مخيلة الوزير بشأن تعليم أبنائنا الجامعي.
يقول الدكتور عويس إن “توجه مجلس التعليم العالي هو الخروج بقرارات من شأنها تغيير سياسة القبول، بحيث يصبح معدل الثانوية العامة ليس المعيار الوحيد في قبول الطالب بالتخصصات، وإنما قبوله ضمن حقل الكلية في الجامعة ولمدة يحددها المجلس مسبقًا، وبعد خضوعه لاختبار قدرات تكون نتيجته أحد المعايير في قبوله ضمن تخصص يحقق ميوله وقدراته”.
كل التأييد للوزير بشأن عدم اعتماد معدل الثانوية العامة كمعيار وحيد لقبول الطالب بالتخصصات، وضرورة البحث عن حلول أكثر عدالة وتتناسب مع التطور العالمي في قطاعات لم نلتفت إليها في برامجنا الجامعية بعد، خصوصا وأن الجميع على اطلاع تام بالصعوبات التي يواجهها الطالب في هذه المرحلة “المرعبة” والتي تحدد مستقبله، وهناك طلبة يتعثرون بسوء الحظ في هذا العام الدراسي المهم. لكن لنا أن نتساءل أيضا: أين العدل في إخضاع الطالب لاختبار قدرات تكون نتيجته أحد المعايير في قبوله من دون أن نهيئ له الظروف المناسبة لتجاوز ذلك!؟
معالي الوزير، أنت تعلم جيدا أن الطلبة يغادرون التوجيهي بلا قدرات معرفية أو مهارات مكتسبة، ومن دون اكتساب الحدود المقبولة في مهارات التفكير العليا، فغالبية نظامنا التعليمي يدور حول نطاق التذكر، ويتعدى نحو الفهم أحيانا، أما نطاقات التطبيق والتحليل والتركيب والتقييم، فهي غائبة عن نظامنا التعليمي، وبالتالي غائبة عن قدرات طلبتنا، فكيف نقيسها ونحن لم نقدم لهم خدمة تعليمية تجعلهم مستعدين لذلك!؟
سؤالي هنا، هل ضمن أجندة الوزير وهو يعلن ذلك خطة لتهيئة الطلبة علميا ومعرفيا بوقت مبكر لا يقل عن خمسة أعوام للاستعداد لهذا الاختبار المصيري؟ أرجو توضيح ذلك حتى لا تكون تصريحاتنا كسحاب يحجب الشمس قبل أن يزول سريعا.
الوزير أيضا ذهب للحديث عن قرار تخفيض أعداد الطلبة المقبولين في بعض التخصصات مثل الطب وطب الأسنان والصيدلة، مبررا ذلك بأن أعداد الخريجين بهذه التخصصات كبيرة وتفوق حاجة سوق العمل.
السؤال الذي يطرحه كل الأردنيين منذ أشهر بهذا الشأن، هو كيف نخفض تدريجيا أعداد الطلبة في هذه التخصصات (38 ألف طالب أردني يدرسون الطب وطب الأسنان داخل المملكة وخارجها)، في الوقت الذي نمنح فيه تراخيص مبدئية لـ3 جامعات طبية و5 كليات طب أسنان؟
الجميع بأشد الحاجة إلى تفسير لهذه المعادلة غير المنطقية والمبهمة وغير المفهومة، إذ لا يعقل تخفيض أعداد الطلبة هروبا من زيادة أعداد البطالة بسبب إشباع السوق، في حين نعمل على توسيع نطاق تدريس هذه التخصصات في جامعات جديدة، إلا إذا كان هناك أمر لا نقوى على فهمه أو استيعابه بحكم عدم الاختصاص.
في تقرير صحفي نشره الزميل تيسير النعيمات في “الغد” في 21 آذار الماضي، دعا خبراء أكاديميون ونقباء وأطباء، إلى التوجه نحو الدراسات العليا في الكليات الطبية، والتوسع في فتح برامج اختصاص، بدلا من ترخيص جامعات وكليات للطب وطب الأسنان. سؤالي الآخر هنا، هل هؤلاء الخبراء لا يفقهون؟ نحتاج من وزارة التعليم العالي أن توضح لماذا هذا الاقتراح غير مجد؟
بالعموم ما كشفه الوزير غاية في الأهمية، والمطلوب هو تنفيذه بصورة علمية مدروسة لضمان الحصول على الجودة المثلى لنظامنا التعليمي، وبالتالي لمخرجاته التي هي عنوان مستقبل الأردن.