زاد الاردن الاخباري -
يشهد الأردن في مئويته الثانية، تحولات مهمة ومتعددة بمساراته الثلاث (السياسية والاقتصادية والادارية)، تمهيداً لتأسيس أحزاب برلمانية قوية قادرة على التأثير ببرامجها ورؤيتها الاستراتيجية.
ويتطلب السعي لتنشيط الحياة السياسية، وتشجيع المواطنين على المشاركة الفاعلة فيها من خلال المشاركة الحزبية، وبالتالي خوض الانتخابات على أسس حزبية برامجية، الى جهد وعمل على عدة مسارات بهدف التحول إلى البرلمان الحزبي الفاعل، الذي يملك برامج إصلاحية حقيقية بمجالات الحياة كافة، وتحاكي بشكل واقعي أهداف وتطلعات الشباب. وبهذا الصدد، أجاب سياسيون وأكاديميون على أسئلة (الرأي) المتضمنة استفسارات حول وجود حياة حزبية حقيقية في الأردن، وكيفية تشجيع الاجيال الجديدة للانخراط بالعمل الحزبي، ومن يُحرك «المياه» الحزبية الراكد?؟
المومني: لا يوجد حياة حزبية فاعلة في الأردن
يرى د. حسن المومني، أستاذ العلاقات الدولية وفض النزاعات في الجامعة الأردنية، أن الحياة الحزبية واحدة من مرتكزات العملية الديمقراطية التفاعلية قائمة على مجموعة مبادئ من مشاركات سياسية، وسيادة قانون وغيرها.
وقال: «مما لا شك فيه ان هنالك حياة حزبية في الأردن، ظهرت منذ نشأة الدولة، لكن مستويات هذه الحياة الحزبية من حيث الأداء والفعالية اختلفت من وقت لآخر، وبتقديري لم نشهد أحزابا فاعلة ومؤثرة لأسباب منها الثقافة السياسية في التنمية السياسية، الخوف المتجذر من مسألة الأحزاب، النقابات ومؤسسات المجتمع المدني التي أخذت دور الأحزاب لعدم فاعلية الاحزاب ذاتها».
وأضاف المومني أن «منظومة التحديث السياسية والإقتصادية التي جرت مؤخراً كانت تهدف إلى إنتاج حياة حزبية فاعلة وممثلة للمواطنين، ومما لا شك فيه أنه يوجد أحزاب في الأردن، باتجاهات مختلفة، تراوحت أقلها منذ عام 1989 وما بعد ذلك من تطورات قانون الأحزاب والسماح للاحزاب بالعمل».
وتابع: «في البدابة قد يكون هنالك تزاحم، لكن في نهاية المطاف إذا استمرت العملية بشكل جيد، واذا تم ادارة هذه العملية، واذا ما انتجت ثقافة سياسية ووعيا سياسيا وتنمية سياسية، قطعاً سوف نشهد نضوجا لدى هذه الاحزاب، وبالتالي قد نشهد نوعا من الإندماج، وقد نشهد انتاج أحزاب أخرى».
ليست «عصا سحرية»
ولفت المومني الى أن «عملية الإصلاح وتحديث المنظومة السياسية تجري من -أعلى إلى أسفل- بهذا الجانب من حيث الناحية التشريعية بغض النظر عن الجدل الدائر حول الكثير من الأمور».
وحول كيفية إقناع الجيل الجديد بالإنضمام إلى الأحزاب، اوضح المومني أن مسألة الحياة الحزبية والديمقراطية، عملية تراكمية مستمرة وليست «عصا سحرية»، مشيرا الى انه لا بد من جهود تشاركية بين جميع الجهات -مؤسسات التنمية السياسية والثقافية- مثل موضوع المدرسة، الجامعة الأحزاب ذاتها، التشريعات، ووجود نظام تعليم وطني فاعل ينتج وعيا ومعرفة، ومن ضمنها مسألة الوعي السياسي والثقافة السياسية التي تؤدي إلى انتاج أجيال قادرة على المشاركة في العمل السياسي.
وأشار المومني الى ان «الشباب محور عملية التغيير باعتبارهم عنصر القوة فيها، ويجب التركيز على نظام التعليم الوطني لإنتاج معرفة ووعي، خشية أن تتحول الجامعات إلى منصات حزبية، وبالتالي تدخل في سياق الإستقطاب، مثل تجربة نقابة المعلمين، والتي تلامس جسم تعليمي مهم، وهذه النقابة بالأساس يفترض بأن تكون مهنية تلبي مصالح أعضائها، لكن تدريجيا شاهدنا الجانب السياسي، وحصل فيها نوع من الإستقطاب».
وختم المومني أن من يُحرك «المياه» الحزبية الراكدة، جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي اخذ على عاتقه إطلاق مسألة التحديث بهذا الجانب عبر المبادرات -التحول في الأردن من أعلى إلى أسفل-، ويفترض بعد اعتماد وإقرار منظومة التحديث السياسي، ان تشكل هذه قاعدة لانطلاق حياة حزبية، وعلى مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب نفسها وعلى -الهياكل الرسمية- أن تحرك مسألة الحياة الحزبية، والانتخابات المقبلة اذا اجريت في المستقبل ستكون -تمريناً- ومؤشراً على كيفية انطلاق هذه الاحزاب.
الماضي: ضرورة وجود أحزاب هدفها خدمة المجتمع الأردني
من جهته، يعتقد د.بدر الماضي، أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الألمانية الأردنية، انه لايوجد أحزاب حقيقية في الأردن بسبب «سيطرة الإتجاه الآيدولوجي على حساب الاتجاهات السياسية التي تدعو إلى المصلحة الوطنية العامة الأردنية، وخدمة الهدف الأردني والدولة الأردنية والمجتمع الأردني».
وقال: «سابقاً في الأردن كانت حياة حزبية حقيقية قسمت إلى أدوار بين الأحزاب الآيدولوجية والوطنية، فكان التنافس منذ بداية تأسيس الدولة بين هذه الأحزاب لخدمة المشروع الوطني الأردني والمشروع القومي، ولم يكن هناك إشكالية في هذا الاتجاه، لكن بعد ذلك وفي فترة الستينيات وحتى الثمانينيات، الاتجاهات الحزبية السياسية إتجهت نحو الأحزاب الآيدولوجية والتي هي مرتبطة ارتباطا وثيقا بأجندة خارجية».
وأضاف الماضي أنه «كانت الأحزاب تطرح نفسها كأحزاب أممية وعابرة للدولة الوطنية، وهذا انعكس سلباً على الحياة السياسية الأردنية، وتشكل نوع من الرفض الشعبي لهذه الأحزاب، وعلى الأقل لرفض الإنضمام إلى هذه الأحزاب بسبب توجهاتها السياسية الآيدولوجية بعيداً عن التوجهات الحقيقية للداخل الأردني ولمعاناة المجتمع الأردني».
وتابع: «هذا الحراك السياسي القائم خاصة بعد أن صدر القرار، ومن أعلى المستويات، بانه لا بد من وجود الحياة السياسية، التي ستكون قناة حقيقية لمساعدة صانع القرار في تأسيس لقرارات جديدة همها خدمة الدولة الأردنية، وخدمة المجتمع الأردني أولاً وأخيراً، والذي يجد غطاؤه الحقيقي في الدعم (الملكي بقيادة جلالة الملك في أن الأحزاب السياسية لا بد لها أن تكون مؤسسات وطنية وضرورة وطنية للدفع باتجاه مزيد من تحقيق الأمور الايجابية».
ونوه الماضي الى ان «هناك فلترة حقيقية وطنية حسب الصالح العام.. فالمرحلة القادمة ستشهد المزيد من الحراكات السياسية سواء باتجاه نحو الدمج أو باختفاء بعض الأحزاب التي لن يكون بمقدورها الصمود أمام مصالح ومتطالبات المجتمع الأردني، بسبب قانون الانتخاب، والذي أتى في قضية العتبة الانتخابية، بحيث أن الحزب الذي لن يحقق نسبة العتبة الانتخابية سيضطر إما الى الإندماج مع أحزاب أخرى أو حل نفسه».
وختم الماضي بالقول: «من يحرك المياه الراكدة في الأحزاب السياسية هي المصلحة الوطنية العامة، ورغبة المواطنين بوجود أحزاب قوية تطرح وجهة نظرهم، فالمجتمع الأردني مؤهل أن يكون من ضمن المجتمعات المتقدمة، وأن مشاهدة أحزاب سياسية حقيقية قادرة على تحريك المياه الراكدة، سواء في الاقتصاد أو الاجتماع أو في السياسة، والأحزاب الغير قادرة على طرح هذه المواضيع الهامة والغير قادرة على أن تكون قريبة جداً من نبض الشارع، لن يكون لها مكان في مستقبل الحياة السياسية في الأردن».