إن الظروف التي مر بها العالم نتيجة جائحة كورونا والحرب الروسية – الأوكرانية والأزمة التايوانية , فرضت على جميع الدول مفاهيم ومتغيرات جديدة لم تظهر منذ إندلاع الحرب العالمية الثانية ,من حيث العلاقات الدولية والتحديات الجديدة سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً وأمنياً, وسنتحدث في هذه المقالة عنها جميعها ومدى تأثيرها على العالم وما يجب علينا فعله للتخفيف من هذه الآثار.
هذه المتغيرات الجديدة التي ستتاثر بها دول العالم :
1) الحرب بالوكالة: أصبح واضحاً أن الدول العظمى لن تتصارع فيما بينها بإستخدام جيوشها التقليدية بل ستتحارب من خلال أذرعها وحلفائها .
2) التسليح العسكري: ستخصص معظم دول العالم جزءاً من موازناتها لإعادة بناء قدراتها العسكرية المستقلة بعيداً عن التحالفات .
3) البحث عن مصادر للطاقة: نتيجة الإرتفاع الحاد بأسعار النفط وحرمان بعض الدول منه نتيجة الحصار, دفع بدول العالم إلى إيجاد البدائل السريعة عنه مثل إستخدام الطاقة الشمسية والرياح والنووية والهيدروجين الأخضر والإستخدام الفعّال للبطاريات التي تُشغّل وسائل النقل الكهربائية وغيرها.
4) العولمة: سيختفي هذا المصطلح في القريب ولن يكون هناك مشاركة في التصنيع بين الدول إلى حد كبير , وستعتمد الدول المصنعة على نفسها وهذا بدأ مؤخراً عندما بدأت الولايات المتحدة بالتفكيربإنشاء مصنع رقاقات إلكترونية جديد يؤمن إحتياجاتها في المستقبل القريب.
5) أبحاث وإكتشاف الفضاء : سيتم تقليص التعاون بين الدول العظمى في المستقبل القريب في مجال أبحاث وإكتشاف الفضاء.
6) العملات الرقمية : سيتباطىء التعامل بها وستسود الضبابية في إنتشارها بين الدول .
7) التغيرات المناخية : لن يتم السيطرة عليها بالشكل الصحيح لفقدان التواصل بين الدول وتطبيق الإتفاقيات السابقة بينها , مما يؤدي إلى رفع حرارة سطح الأرض درجتين مئويتين في العقد القادم.
8) خطوط النقل العالمية: نتيجة للتجاذبات السياسية والحروب سيتم البحث عن بدائل لطرق النقل البرية والبحرية والجوية, كإستخدام لممرات القطب الشمالي , أو إنشاء طريق الحرير الجديد أو بما يُعرف باسم "الحزام والطريق" من قبل الصين.
وسيتأثر العالم سلبياً نتيجة هذه التغيرات كما يلي:
1) قلة في إنتاج السلع العالمية المصنعة نتيجة توقف سلاسل الإمداد وإرتفاع تكلفة الشحن والحصار على المواد الأولية التي تدخل في التصنيع مما يؤدي إلى إرتفاع في الأسعار.
2) تسجيل أقل في براءات الإختراعات والأبحاث العلمية بسبب ضعف التعاون الدولي وسيتأثر بذلك القطاع الطبي والزراعي والصناعي.
3) إزدياد الهجمات السيبرانية في العالم وسيبرز إستخدامها في الحروب ومن الجماعات الإرهابية.
4) قلة المساعدات التي تنفقها الدول الغنية على الدول الفقيرة بسبب إرتفاع كلفة التصنيع وقلة إرادات الدول الغنية , وكذلك زيادة الإنفاق العسكري لبناء وتحديث منظوماتها الأمنية, ولن تكن هناك مساعدات وخدمات أمنية بالمجان.
5) المجاعات نتيجة قلة الغذاء والإرتفاع الحاد في أسعاره الذي تُنتجه الدول وتستورده من غيرها , نتيجة التغيرات المناخية والزيادة في النمو السكاني.
6) الزيادة في عدد المرضى نتيجة للتغيرات المناخية الحادة وإرتفاع عدد الكهولة مما يؤدي إلى إرتفاع تكاليف الخدمة الطبية من وقاية وعلاج .
7) إنخفاض في الناتج القومي الإجمالي العالمي في السنوات القادمة قرابة 20%, مما يؤدي إلى إنخفاض في نسب النمو الإقتصادي للدول , والإنخفاض في التبادلات التجارية بينها وبالتالي فقدان المزيد من الوظائف وإرتفاع في البطالة والفقر وخصوصاً في دول العالم الثالث.
8) التراجع في الدور الذي تلعبه الأمم المتحدة في المجالات السياسية والأمنية والإجتماعية والإقتصادية .
9) إزدياد ديون العالم الثالث ودول الإقتصادات الناشئة , مما يجعلها غير قادرة على السداد .
10) قلة الإستثمارات العالمية وتردد المستثمرين في الإستثمار .
11) تراجع السياحة لإرتفاع تكاليفها وفقدان الأمن والأمان خصوصاً في دول العالم الثالث.
12) إزدياد تجارة المخدرات في العالم وغسيل الإموال والإتجار بالبشر.
من خلال إستعراض نتائج ما سيؤول إليه الوضع العالمي في العقد القادم الذي سيضع التحديات الجمة والصعبة أمام المسؤولين, وهذا ما تحدثنا عنه في أكثر من مقالة سابقة , ولذلك يجب الإعتماد على أنفسنا وبناء قدراتنا الذاتية وهناك ثلاث محركات سريعة مختصرة يجب التركيزعليها:
- إعادة النظر بالمناهج الدراسية والتخصصات المختلفة من المدرسية والمهنية والجامعية وزيادة الإنفاق على البحث العلمي , والإنتقال السريع للتحول الرقمي.
- التركيز على السياحة بكافة أشكالها وأنواعها وتطوير بنيتها التحتية جذرياً وإعطاء الدور للقطاع الخاص بذلك.
- تشجيع الإستثمار والتذليل العملي لمعوقاته.
ولا يتم ذلك إلا بإختيار من يصنعون التغيير والإبداع من المسؤولين, والتركيز على المخططين الإستراتيجيين, وإختيار المسؤول ذو العقلية المخططة والمُنتجة وإيجاد الحلول السريعة والبدائل , والإبتعاد عن الحلول التقليدية التي لم تؤت بثمارها لغاية الآن , لأن العالم قد تغير فيجب البحث عن القياديين الذين يدركون العمق الذي حدث في التغيّر العالمي والتفاعل معه , كحل مسألة رياضية فلا يكفي أن تستحضر جميع القوانين التي تؤدي إلى حلها, يجب أن يكون هناك فهماً عميقاً للمسألة بجميع متغيراتها, لأنه يمكن البدء بحلها بإشتقاق بسيط قبل تطبيق القوانين الرياضية عليها, إضافة إلى إعادة الثقة الكاملة بين المواطن والحكومة لإنه شريك فعّال معها, ومد جميع الجسور مع القطاع الخاص. م.مهند عباس حدادين
رئيس مجلس إدارة شركة جوبكينز الأمريكية
mhaddadin@jobkins.com