زاد الاردن الاخباري -
تجسد الاحزاب الاردنية مبدأ التعددية الفكرية بصورة واضحة, اذ تمثل رؤى وافكارا مختلفة سواء كانت اسلامية او قومية او وسطية, وما وجود العدد الكبير من الاحزاب السياسية في الاردن الا دليل واضح على ذلك.
هذه الاحزاب استطاعت الوصول الى السلطة التنفيذية العام 1956م, اذ حصدت قوى المعارضة اغلبية مقاعد البرلمان, ونجحت في تأليف حكومة ائتلاف وطني برئاسة سليمان النابلسي, التي حلت في نيسان العام 1957 ومنذ ذلك الوقت بقيت الاحزاب تمارس نشاطها السياسي في الخفية حتى عام .1989
الا انها لم تستطع الدخول الى الجامعات الاردنية القلاع المحصنة نتيجة رهبة المجتمع المتوارثة من فكرة الحزبية, بتأثير من فترة الاحكام العرفية الطويلة التي عاشتها البلاد, والخوف من ان يقود الانتساب للحزب الى تعرض الشخص الى شكل من اشكال الملاحقة الامنية, وبالتالي فقدان الوظيفة في المؤسسات الحكومية.
اقصاء الطلاب عن العمل السياسي داخل الجامعات, كان سببا لتكريس وسيادة افكار وعلاقات العصبية العشائرية, والفئوية, والمناطقية على بنية المجتمع الطلابي داخل الجامعات, وساعد في توسيع الهوة بين الاحزاب والطلاب. كما اكد حزبيون ل¯ العرب اليوم.
اللافت ايضا ان سياسة التردد الحاصل في موقف الحكومات المتعاقبة ازاء تطوير قانون الانتخاب ساري المفعول, الذي يستند الى نظام الصوت الواحد في دائرة متعددة المقاعد, عن طريق تخصيص حصة من مقاعد مجلس النواب تتنافس عليها القوائم السياسية وفق نظام التمثيل النسبي, ساعد بطريقة او بأخرى على تهميش دور الاحزاب السياسية في المجتمع عامة وفي المؤسسات التعليمية خاصة.
ومنذ صدور قانون الاحزاب العام 1992م, شاركت الاحزاب بأربع دورات انتخابية: (,1993 ,1997 ,2003 2007م), ولكنها لم تكن قادرة على الاضطلاع بدورها في التحولات الديمقراطية والمشاركة السياسية الحقة, اذ كان اداء البعض منها متواضعا بخصوص توصيل اعضائها الى البرلمان, الا انها تشكل ظاهرة سياسية لا يمكن تجاهلها في الساحة الاردنية.
حوار فكري:
عضو المكتب التنفيذي لجماعة الاخوان المسلمين د. رحيّل غرايبة قال: ان الاحزاب التي دخلت مجلس النواب مبكرا, ما زالت الحكومات المتعاقبة تعمل على تكريس سياسة حظر دخولها الى الجامعات الاردنية.
واضاف: هذه السياسة الخاطئة جعلت من ابنائنا ينخرطون في أطر اخرى مثل: العشائرية والمناطقية والفئوية, التي من شأنها اضعاف الطلبة ثقافيا فتصبح اهتماماتهم منصبة على الفتيات والعنف الطلابي, وهي اقل مستوى من الحزبية, حتى غدت الجامعات في يومنا هذا مسرحا للمشاكل العشائرية, وقلاعا محصنة حيال الفكر الحزبي.
واشار الى ان العمل السياسي في الجامعات, والذي يتخذ الحوار الفكري اساسا في نشر الوعي والثقافات, ويعمل على تعزيز اواصر التعاون بين الاجيال وتوارث الثقافات بينهم, من شأنه القضاء على العنف الطلابي في الجامعات.
ويخشى الغرايبة اذا بقيت الحكومة تمارس السياسات ذاتها من اقصاء الطلاب عن المشاركة السياسية وتغييبهم عن البحث في الامور العامة, من ضعف فرصة الاجيال المقبلة في تولي مواقع قيادية في مختلف مناحي الحياة, لعدم منحهم فرصة التدريب الكافية على العمل العام, وصقل خبراتهم بما يخدم مصلحة الوطن.
البديل
الناشط في الحزب الشيوعي الاردني جيفارا حنا يرى ان عدم اختراق الاحزاب للجامعات يعود في مجمله لافرازات عقلية الاحكام العرفية الطويلة التي عاشتها البلاد, وانه رغم ملامح الانفراج الديمقراطي في بداية التسعينيات وما تلاها من سلسلة قوانين وانظمة التي تم اقرارها مثل قانون الحريات العامة والاحزاب والانتخابات والاجتماعات, الا ان الجامعات ما زالت بعيدة عن العمل السياسي, ويؤكد ان البديل المرافق لسياسة المنع كان المغالاة في الانتماءات العشائرية..
ويضيف ان مخرجات التعليم في المدارس والمتزامن مع الوضع الاقتصادي المتردي, اضعفت من فرصة اقبال طلاب الجامعات على المشاركة الحزبية.
واشار الى ان العمل الحزبي ما قبل الانفراج الديمقراطي اقوى منه الان, فعلى الرغم من علنية الاحزاب الا انها في الان ذاته, تمُنع من ممارسة العمل السياسي داخل الجامعات, وان العنف الطلابي هو من افرازات الاحتقان السياسي والازمة الاقتصادية.
واكد ان برامج الاحزاب ليست ضعيفة, ولكنها لم تمُنح الفرصة للتعبير عن نفسها وكشف هويتها وبرامجها داخل الجامعة, وان سياسة الملاحقة الامنية المتبعة لطلاب الجامعات الحزبيين, انعكست على الانتماءات الحزبية بين الطلاب عامة.
والمح الى ان هذه السياسات ادت الى انصراف الشباب عن الحديث في القضايا المجتمعية الاساسية الى ما هو دون ذلك من امور لا ترقى لمستوى طلاب الجامعة.
مشاركة متواضعة
الامين الاول لحزب الشعب الديمقراطي الاردني حشد احمد يوسف, ربط الوجود الحزبي في الجامعات بتوفير المناخ الملائم للحريات العامة والتي هي عنوان العمل السياسي.
واضاف ان فترة الاحكام العرفية التي اتبعت لفترات طويلة, خلقت حالة من الرهبة لدى الشباب بنسبة لا تقل عن 70%, من الانخراط في العمل السياسي.
وعن المشاركة المتواضعة من طلاب الجامعات في الاحزاب بجميع اشكالها اجاب يوسف: ان ملاحقة الطالب من قبل الاجهزة الامنية بعد التخرج وعند طلبه للوظيفة, حتى ان لم يكن هو حزبيا, بل على اعتبار ان والده او احد المقربين منه منتم الى اي تنظيم سياسي, والطلب منه الحصول على براءة من الحزب وانه اي الوالد لم يعد منتميا للحزب, قبل حصوله على الوظيفة, هي من اسباب المشاركة المتواضعة.
واضاف ان الانظمة والتعليمات الجامعية ذات طابع امني وان السياسات العامة ما زالت بحاجة الى مناخ ايجابي من شأنه تعزيز المشاركة الحزبية لدى الطلاب, وان تلك الانظمة والتعليمات هي من تعمل على تكريس ثقافة الجهوية والعشائرية بين الطلاب.
وعن تراجع دور الاحزاب الواضح اشار يوسف الى ان العمل السياسي داخل الجامعات مقيّد بسبب الانظمة والقوانين المقيدة للعمل الحزبي ومن المشاركة في العمل العام.
هذه الاستراتيجية في التعامل مع الاحزاب بحسبه تهدد المجتمع الاردني بافتقاره الى قيادات وطنية منيعة مسلحة بالعمل العام والخبرة التراكمية لتساعد على مواجهة التحديات الخارجية, ومن بقاء التهميش مستمرا للطبقات الفقيرة, وتكريس ثقافة توريث الزعماء.
نخب سياسية
مدير وحدة الاستطلاع في مركز الدراسات الاستراتيجية د. محمد المصري يقول: ان الجامعات الاردنية عندما كانت ساحات للاحزاب انجبت نخبا سياسية مسلحة بالخبرة بالعمل العام.
ويضيف: هناك مجموعة من الظروف عملت على الحد من انخراط الطلاب بالعمل السياسي منها: تراجع العمل السياسي بصورة عامة, وصعود قوى واطر تقليدية غير طوعية مثل الجهوية.
واضاف: الجامعة عبدت الطريق امام هذه القوى من خلال منع الاحزاب من ممارسة عملها داخل الجامعة بتضخيم عقوبتها على الطلاب الحزبيين التي تصل حد الفصل, في حين ان ممارسة الغش والتحرش بالفتيات تكون عقوبتها اقل بكثير.
ونادى المصري بضرورة ان تضع الجامعات استراتيجيات تهدف الى زيادة الوعي الطلابي وتفعيل الحراك الثقافي والعمل غير المنهجي, لتحل محل الاطر غير الطوعية المتواجدة في الجامعات, التي من شأنها اشعال فتيل العنف الجامعي.
واضاف: لا بد من تعايش الطلاب مع بعضهم البعض في سكنات خاصة بهم, خاصة في العام الدراسي الاول لتوسيع دائرة الحقوق المشتركة ولخلق اسس جديدة للتعامل, من خلال التقاطعات الفكرية والسياسية, التي تهدف انقاذ المجتمع الاردني بشكل عام من العصبية العشائرية والمناطقية التي تنذر بتفكيكه.
ويؤكد المصري ان منظومة السلوك المتبعة في التعامل مع الاحزاب داخل الجامعات, تجعل المواقع القيادية والرفيعة والرسمية حكرا على من يحمل شهادة من الخارج, وذلك لاخذهم الفرصة الكافية للتدريب والحوار والانغماس في النشاطات غير المنهجية, في حين يتسلح طلابنا بقوى العشائرية والمناطقية.
ابن المجتمع
من جهته وصف عميد شؤون الطلبة في جامعة اليرموك د. محمود الدرابسة الاحزاب بانها اشبه ما تكون بجمعيات ولها افكار تنظيرية, تقوم على مبدأ احادية النظرة تجاه العالم ككل, ما يعني قتل الابداع لدى الانسان.
ودلل على هذا بقوله: لم توجه الجامعة عقوبة واحدة لطالب جامعي, بناء على مرجعيته الايديولوجية, او على اساس فكري بل باعتباره طالبا فقط.
واشار الى ان الطالب هو ابن المجتمع يتأثر ويؤثر, ولو كانت الاحزاب التي تروج عن نفسها تحمل من البرامج ما يكفي لاقناع الطلبة, لما احتاجت ان تأتي اليهم في باحات الجامعة.
واكد الدرابسة ضرورة ان تبقى الجامعات مكانا للدرس والبحث العلمي, وان لا تصدّر اليها الافكار الحزبية, التي من شأنها التأثير على تحصيل الطالب العلمي, وبالتالي تهديد مستقبله الوظيفي.
العرب اليوم